تعالت اصوات الضحكات على طاولة الاصدقاء ...
مرّ وقت طويل منذ ان اجتمعوا هكذا آخر مره...بعد تخرجهم من الجامعه وتفرقهم بين اعمالهم و زواجهم....لم تعد هناك لقاءات كهذه الا كل عدة شهور...
مع تساقط المطر الغزير في الخارج واكتظاظ المقهى تناثرت سحب دخان الاراجيل فوق الرؤوس كضباب كثيف
...ما بين الحديث عن العمل والسيارات والسكرتيرات الجميلات والمديرات المتسلطات ومباراة برشلونه الاخيره و آخر الاخبار كانت القفشات والمزحات تخرج بالتبادل فيما بينهم فتتعالى الضحكات يتبعها رشفه من كاسة شاي او فنجان وقهوه وسحبة ارجيله .
يرن هاتف حسام الخلوي فينظر سريعاً الى شاشته ,يزفر زفرة طويله ويفتح الخط
-خير ؟شو في؟ مش هاين عليكِ تخليني مبسوط ساعه مع اصحابي؟ لازم تتفقديني كل ربع ساعه؟
فيبدأ الاصدقاء بالتعليق....
-ايوه يا حمش...
-أديها....
-بس ما تسوق فيها كتير,آخرتك تروح عالبيت ....
-احفظ خط الرجعه أحسنلك...
تغيّرت نبرة حسام , خفت صوته وهو يقول...طيب انا جاي بسرعه ...جهزي البنت واجهزي ونص ساعه اكون عندك...واقفل الخط.
-معلش يا جماعه...كان نفسي ابقى معكم اكتر لكن بنتي الصغيره حرارتها مرتفعه من الصبح وهي تعبانه للآن...فلازم اروح اخدها للدكتور...عن أذنكم.
-بنتك مريضه وللا المدام أصدرت الامر بالترويحه هاهاهاهاها؟؟؟
-لا يا جماعه...البنت تعبانه فعلاً من قبل ما اطلع الصبح من البيت...
-ماشي ..سلامتها كان بودنا تقعد معانا اكتر
-لسه القعده بأولها وما لحقنا نشوفك...
-معلش يا جماعه ...مضطر ...خيرها بغيرها...سلام
-مع السلامه,,,طمنّا عليها لما ترجع من الدكتور.
-سلام...
تناول حسام معطفه من بين المعاطف المكوّمه على الكرسي الفارغ على طاولتهم وخرج مسرعاً...وضع المعطف على رأسه وركض بسرعه باتجاه سيارته فما زال المطر ينهمر بشكل غزير ...وصل سيارته فارتدى المعطف وجلس خلف المقود ومضى في الطرقات التي تغرق من شدة المطر ...الازمه فظيعه ...والسيارات تتحرك ببطئ وهو منزعج ووجهه مكفهر أكثر من السماء السوداء الملبده بالغيوم وبدأ في الكلام والسباب ولعن حظه السيء الذي نكّدّ عليه وحرمه من مجالسة رفاقه ....
لعن المرض ولعن الزواج ولعن اليوم اللي تزوج فيه ولعن زوجته التي لا تعرف ان تتحرك خطوتين بدونه ...ولعن نكدها ولعن ازعاجها له ومطالبها التي لا تنتهي
وابناءها اللذين يمرضون عشرين مره في الشهر...
فجاءه شعر باهتزاز هاتف نقال في جيب المعطف فتفقد هاتفه ولم يكن هو ...ليس هاتفه!
...تحسس جيوبه فوصلت يده الى الهاتف الذي يهتز...نظر اليه وقرأ اسم "هدى" ارتجف للحظه وارتبك...دقق النظر في الهاتف "هدى" هو يعرف هدى ,انها زوجة صديقه ناصر الذي تركه قبل لحظات في المقهى...استغرق بعض الوقت ليكتشف انه قد حمل معطف ناصر بالغلط...كلاهما نفس اللون والطول والموديل -...اووووووووه ما هذه الغلطه الآن!
مستعجل ولا استطيع الالتفاف للعوده الى المقهى لاعادة المعطف لصاحبه....فكر في نفسه ...سآخذ الصغيره للطبيب واعود الى المقهى لاحقا لاعادة المعطف لناصر واخذ معطفي الذي تركته هناك....
سكن الهاتف خلال هذه اللحظات فوضعه جانباً واخد يمرر يده على المعطف ويتحسس صوفه الكاشميري الناعم...
ناصر يا له من محظوظ !!!
وهبه الله وسامة الشكل وحلاوة اللسان وخفة الدم مما جعل كل بنات الكليه ايام الدراسه يحاولن التقرب منه وكسب وده .....اما ناصر فقد كان مغرماً بهدى ولا يرى غيرها.
هدى التي كانت حلم كل شباب الكليه في ذلك الوقت لجمالها ورقتها وغناها وصيت عائلتها .......
...هدى تلك الجميله ذات الابتسامه الساحره
هدى الرقيقه ذات الصوت الملائكي
هدى الغنيه ...
....يا له من محظوظ هذا الناصر
لقد ابتسم له الحظ عندما بادلته هدى الحب بالرغم من كونه من عائلة بسيطه فقيره لا وزن لها في ميزان العائلات مقابل وزن عائلة هدى ذات العيار الثقيل!
وفتحت له الدنيا ذراعيها عندما ضغطت هدى على عائلتها ليقبلوا به زوجاً لها ... ومن ثم نال الرضا والسعد عندما حاز على رضا السيد "والد هدى" ففتحت الشركات ابوابها امامه ليختار ما يناسبه.
يا لك من محظوظ يا ناصر...زوجه جميله ورقيقه و غنيه وعمل ممتاز وبيت في ارقى مناطق المدينه و سياره فخمه وحفلات وسفرات و...و...
وازداد انزعاجاً عندما ارتسمت صورة زوجته الشاكيه دوماً أمامه بجانب صوره هدى الجميله الرقيقه الغنيه ...
وانزعج اكثر عندما تذكر صوت هدى الملائكي الساحر
بالمقارنه مع صوت زوجته العالي الحاد
...وعاد للسباب واللعن فلعن الزواج و لعن زوجته ولعن حظه الاسود و نصيبه **** الذي لم يجعل له زوجه مثل "هدى"
عاد الاهتزاز من جديد واسم هدى يتلألأ على الشاشه...ارتبك مجدداً...هل يرد؟ ام يتركه ؟
سكن الهاتف ....ثم عاد من جديد ...فقرر ان يرد ويشرح الموقف ل "هدى" ويطمأنها على ناصر فلا بد انها قلقه عليه لذلك تلح في الاتصال به! وفي نفسه حيره من صديقه الذي ضبط هاتفه صامتاً!!! كيف يطاوعه قلبه بأن يجعل زوجته الرقيقه ان تقلق عليه هكذا ...ولا يستقبل مكالمتها؟!
فتح الخط وقبل ان ينطق بال آلووو ...جاءه صوت هدى الملائكي الساحر:
-اسمع يا زفت ...لو بتفكر اني مصدقه انك مع اصحابك بتكون غبي ... انا عارفه انك مع سكرتيرتك وما بدك ترد عالموبايل عشان هيك ...
الحق مش عليك يا (تيييييت)
يا (تيييت )...الحق عليي انا اللي نظفتك وخليت بابا يشغلك في شغل عمرك ما كنت تحلم فيه يا **** ...عشان تتركني ملطوعه بالبيت و كل يوم تسرح وتمرح مع وحده شكل يا ^%$&) يا *&^%#....يا ... يا زفت ...
يدرك الان سبب الوضع الصامت واخفاء الهاتف في جيب المعطف!
بدون وعي ضغط على زر الاقفال الكامل فصمت الهاتف وتلاشى معه صوت هدى الملائكي المشبع بسيول السباب والشتائم!
******************************************
في عيادة الطبيب خلع المعطف ورماه على ابعد كرسي عنهما ....جلس بجانبها وهو يتأمل وجهها ... كأنه لم يرها منذ وقت طويل...بشرتها شاحبه عيناها ذابلتان ....لكنه الان يراها أجمل و أرق من هدى بألف مره...
أمسك يدها واحتضنها بحنان فابتسمت بخجل وهي تعتذر له آسفه عن اضطرارها لسحبه من بين اصدقائه...
-لا تعتذري .....لم تخطئي الآن... لم تخطئي ابداً.
بقلم المدونة الرائعه نيسان صاحبة مدونة نيسان
هناك 5 تعليقات:
نيسانة التدوين :)
ماذا أقول...من أروع الأجزاء أشكرك عزيزتي و صديقتي الرائعه.
أبدعتي و في إنتظار المزيد من الإبداع
تحياتي و كل الود لكي
روووووووووووووووعه بجد
وصلتيلى احساس الزوج وصعبت عليا مراته جدااااااااا
فعلا ماحدش بيرضى بحاله الا لما بيشوف حال غيره
نيسان الجميلة روعة وفكر جديد ماشاء الله ..بس كده ياعيني ناصر حايعمل ايه في معطفه الذي ذهب ؟نحن في انتظار المزيد نيسانتنا ..
جميله فعلا
تسلم ايدك
شكرا لكم جميعا اصدقائي الغاليين
وان شاء الله ربنا يطمن قلبنا ويهدي بالنا .
شكرا لفريق العمل هنا احبتي واخوتي في مصر الحبيبه.
إرسال تعليق