الجمعة، 30 سبتمبر 2011

قيود الخير22

مد يده بجوار الشجرة الكبيرة ليرى ماهذا الشئ الذى لفت نظره من بعيد ؟ إنه معطف نسائى غالى الثمن ؟ لمن هذا المعطف ولماذا تركته صاحبته فى هذا المكان؟ سؤال خطر على بال سمير وهو يمسك بالمعطف متأملا فيه، إن رونقه وخامته ودقة التفصيل  تدل على إرتفاع سعره وقيمته الكبيرة ! ماذا يفعل به ؟ لحظة أخرى حتى تهادت على رأسه فكرة!! قد يحتاجه حقا لما يخطط له، سيضعه فى السيارة حتى يرى ماهو فاعل.
خرج من السيارة الأجرة التى يعمل عليها لحساب صاحبها الجشع مرة أخرى بعد وضع المعطف على الكرسى الخلفى ، خرج يدخن بشراهة وعصبية .. بداخل تلك القاعة الأن حفل زواج الأستاذة هالة ، تلك الصحفية التى وقفت بجواره وبجوار عائلته فى محنتهم مع المرض والفقر ، فوالده يعانى من فشل كلوى مزمن ويحتاج للعلاج المستمر ، لم يساعدهم أحد فى هذه الدنيا أو هذا المجتمع الحقير غير هذا الملاك الذى يسمى هالة.. وقفت بجانبهم وتبنت مرض الوالد ونشرت قصته ليعطف عليه المسئولين بحقه فى العلاج، هؤلاء الذين طالما رفضوا طلبات علاج والده وطردوه من مكاتبهم .
هالة .. هل تدركى قدر حبى ، هل شعرتى بى ولو للحظة .. أجزم أنه لاأحد فى هذه الدنيا يحبك مثلى أو يستطيع إسعادك .. هل نسيتى الليالى التى كنت أناجيكى بطولها حبا، وأحاديث السمر العذبة المتبادلة بيننا ؟ فلكم أعشق تلك الإبتسامة ، ولكم يهتز قلبى بضحكتك الجميلة البريئة النقية.. نعم حبيبتى ، فأنتى كائن مختلف عن بشر هذه الدنيا الظالمة ، أنتى ملاكى الذى أنام على صدره كل ليلة فى أمان وطمأنينة .
لحظة أخرى حتى أفاق سمير ليبتسم لنفسه ، فهو يدرك أنها مجرد أحلام وهلاوس يحيا بها كل ليلة بعد أن يدخن تلك السجائر الملفوفة فى أخر يومه المرهق الكئيب.. كانت تأتى له فى أحلامه لتعيش معه لحظات من الحب والهيام ، يتخيلها كما يتمنى كل ليلة ، تلبس له أجمل الثياب وتتقرب له بأحلى الكلمات.. لكنه يشعر حقا أنها تحبه لاخيال ، ألم تكن تبتسم له كلما تراه يقف عند عملها متحججا أنها صدفة مروره فى هذا المكان ليوصلها، ألم تهديه يوما وردة حمراء مازال محتفظا بها حتى الأن ، ألم تسعد بأغانى الحب التى كان يسمعها من كاسيت التاكسى مع كل مرة تركب معه.. إنها حقا تميل له بقلبها الطاهر وتحبه، لولا ظهور نور المنهدس زميل الدراسة القديم ليضحك عليها ويخطف قلبها منه.
نعم إنها نفرت منه من أسبوعين حين علم بأمر تخطيطها للزواج فأعترف لها بحبه ، أنكرت أى عاطفة منها نحوه ، لكنه متأكد من كذبها وحبها له ، أم كانت تلهو به وبأحاسيسه ؟.. أبدا لن يتخلى عن حلم حياته ولن يتنازل عنها مهما كان.. وقف يتأمل الزفة من بعيد وعينيه مملؤة بالدموع ، تلك الدموع التى بدلت حبه وإشتياقه لها تصميما على إمتلاكها بعد ذلك.. عاد للمنزل وبين يديه المعطف الذى وجده ليضيفه إلى غيره من الملابس التى إشتراها وأعدها سابقا لهدف فى رأسه وخياله.
تمر الأيام ثقيلة عليه بعد زواجها وهى لاتخرج إلا نادرا من المنزل الجديد ، حتى وإن خرجت يكون معها زوجها يتبادلان الحديث والضحكات ، تتأبط  ذراعه وإبتسامتها لا تفارقها ، وسمير يزداد جنونا وحقدا وتصميما : إما أن تعود إليه أو ينتقم لقلبه الجريح.. راقبها حتى رجعت إلى عملها  ووقف ينتظرها أمام باب الجريدة ، خرجت وقت الإنصراف مسرعة فى خطواتها الرشيقة  كما يعهدها ، لتجده أمامها فجأة بلا إنذار.
نظر لها وهو يبتسم قائلا:
-        مبروك ياأستاذة ، ربنا يسعدك كمان وكمان مع الباشمهندس.
-        الله يبارك فيك ياسمير .. عبقالك إنشاء الله .
ردت عليه بإقتضاب وهى تتذكر أخر لقاء لهما  وموقفه الغريب السابق بفرض حبه عليها ، واستعدت لمغادرة المكان مسرعة فى الإتجاه الأخر.
تمهل سمير قليلا قبل أن يسألها بلهجة هادئة وواثقة:
-        حضرتك مش راجعة البيت ، أوصلك وأكلمك فى موضوع.
-        أيوة فعلا ، لكن لى بعض المشتروات قبله.
-        معلش أوصل حضرتك ، حتى  أعتذرلك عن كلامى اللى ضيقك قبل كدة.
لم يمهلها وقت للرد بعد كلماته بل واصل حديثه وهو يفتح لها باب السيارة :
-        حضرتك ليكى فضل كبير عليا أنا وأهلى ولازم أتأكد إنك مش مضايقة منى ، وفى كل الأحوال هاتحتاجى تركبى تاكسى، وأنا موجود تحت أمرك كأى سائق.

ركبت معه وهى مترددة ومتحيره فى أمره، ولكنها تمنت أن يعتذر عما بدر منه لينتهى هذا الحوار المزعج برأسها ، وهل طيبتها وتفانيها فى خدمة المحتاج تصل بها لهذا الطريق.. دقائق مع إعتذار وكلمات من سمير تدل على ندمه عما بدر منه وعن فهمه الخاطئ بحبها له وتقديره هو وعائلته لها حتى ظهر جنوحه عن الطريق الصحيح لمنزلها، وما إن نظرت إليه وسألته فى خوف ورعب عن سبب سلوكه هذا الطريق ، لتجده ينظر لها شررا وذعرا ويضربها بألة على رأسها  ففقدت الوعى فى الحال.
 عادت لوعيها لتجد نفسها مقيدة الأيدى  فى مكان مظلم لاترى منه غير ضوء خافت من بعيد، وعلى فمها شريط لاصق يمنعها من الصراخ ويعيق تنفسها أيضا.. لحظات إسترجعت فيها ماحدث ، ولكن ماهذا المكان ؟ وأين سمير وماذا يخطط لها؟ أتلك مكافأتها بعد مساعدتها لتلك العائلة؟ كانت تظن أنه عملها وواجبها تجاه المجتمع !! هل أخطأت بالمعاملة الحسنة لأمثال هؤلاء البشر ؟ هل تستحق مايحث لها حقا ؟.
لحظات أخرى بين الخوف والحيرة حتى أضيئ المكان وظهرت معالمه ، تلفتت على صوت سمير وهو يصيح فيها:
-        تخيلتى أنى سأتركك لهذا المهندس الذى ظهر فجأة.. كنتى لى من أول لحظة رأيتك ، فأنا أحتاجك ولا أستطيع العيش بدونك. . أحبك وأعشقك وأراكى حياتى كلها.
وقف وهو يترنح قليلا غير متزن ليقترب واضعا يده على كتفها يهزه مرددا : أحبك .. أحبك .. أحبك .. يقولها وهو ينظر فى عينيها لا يفارقها ، لتنزل على خده دموعه وهو ينتحب بشكوى حبه لها ليفاجأها بصوت جهورى مرة أخرى :
-        جئت بكى لهذا المنزل البعيد عن المدينة، فهذا البيت لأحد أصدقائى أخذته لنختلى فيه   ومعنا أيضا الشراب ولفافات كثيرة ندخنها ونسعد بوقتنا سويا.
أدارت رأسها عنه رافضة لمعانى حديثه، متوسلة له بعينيها أن يفكها ويزيل عنها مابها.. إقترب منها ليزيح اللاصق عن فمها لتتحرر منه وهو يقول:
-        لاتخافى وهدئى من روعك.
لم تصرخ حين إستطاعت النطق ، بل حمدت الله بصوت منخفض وبدأت تحاوره بشئ من الهدوء والحكمة:
-        لم أضرك من قبل ، بل حاولت المساعدة وعاملتك كأخى .. هل أستحق منك هذا؟
-        أنا أيضا لاأبغى ضرك ، إنما قلبى المحب والعاشق لكل خلجة منك.. كم من ليلة أعيشها فى حلم معك ؟ أنتى ملاكى الذى أعيش به حياتى وسأموت بدونك.
نظرت إليه وقالت بصوت خافت إختلط فيه اللوم بالحنان:
-        ماذنبى فى حبك ؟ وأنا لى زوج ينتظرنى وحياتى المختلفة بين أهلى وعملى!!
-        لكنك كنتى تحبينى وتأتى لزيارتنا ونتحدث ونضحك كثيرا ، كنت أراك سعيدة بما أقول وماأفعل.. فى عينيك رأيت تشجيعك لى وحبك وحنانك علي وعلى أسرتى.
-        أبدا.. هو وهم عشت فيه وتماديت فى أحلامك الكاذبة ، فأنا أحب زوجى من سنين وكنت أنتظره حتى يعود من عمله البعيد لنتزوج .
أرتفع بصوته وهو يتجه نحوها من جديد محاولا التماسك وعدم الوقوع :
-        لامعنى لكل تلك الكلمات فأنتى لى .. لقد أعددت هذا المكان لنا وإشتريت لكى كل ماتريدى حتى لانخرج من هنا أبدا.. أنظرى لهذه الملابس الرائعة، هى لكى إشتريتها من أغلى المحال وأفخمها.. هذا المعطف الجميل، كأنه صنع لأجلك فقط ،فلاتستحق سواكى أن ترتديه.
-        لايمكنى هذا ولن نفعل.. كأنك تحولت إلى شيطان ، وهذا ماتشربه يسيطر على عقلك فلا تعى فعلتك ولاعواقبها.
إزداد غضبه وإنفعاله عليها وأمسك بيده المعطف معطيه لها ومحذرا:
-        ستفعلى ماأطلبه دون نقاش ، وسترتدى هذا المعطف لأراكى فيه، وستشربى معى ماأشربه لنقضى معا ليلة كما أريدها.
-        حسنا .. سأفعل ماتريد ولكن بعدها ترجع بيى للبيت لنرى ماذا نفعل فى المستقبل.
قالتها وهى تنظر إليه بحذر وخوف محاولة إخفاء ماتسعى إليه.

إبتسم سمير لما قالت وشعر أنها إستجابت له أخيرا ، ستكون ليلة ولا ألف ليلة كما يقولوا.. فك معصمها من القيد وناولها المعطف لترتديه أمامه كما أمرها.. جلست معه وهى ترتدى ذلك المعطف وكأنه شوك على جسدها ولكنها ماذا تفعل؟ .. تظاهرت بأنها تشرب معه وتجاريه فى حديثه، وهو لشدة إعياءه وإرهاقه وشرابه لايدرك مايحدث ليزداد بعدا عن الواقع .. تضعف قدمه عن حمله وإتزانه ، تثقل جفونه ويتوه عقله شيئا فشيئا حتى أدركت هالة أنه الوقت المناسب للخلاص منه.. ضربة شديدة على رأسه بزجاجة كانوا يشربوا منها وقع بعدها مغشيا عليه.
خرجت مسرعة إلى الطريق .. تبحث عن أى سيارة عابرة لتركب فيها مقتربة من عمار المدينة.. نزلت من السيارة تبحث عن أى تليفون أو أقرب قسم للشرطة .. وهى فى طريقها نظرت لنفسها لتجد هذا المعطف مازال عليها.. كم تكرهه وتكره صاحبه الذى أعطاه ، تخلعه بسرعة وترميه بعصبية  على مرمى البصر.



                  بقلم المدون صبري أبو عمر صاحب مدونة غريب على الطريق

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

فرج فراج 21

قبل اذان الفجر بقليل و قبل ان تصحو الطيور من على اغصانها سبقهم عم فراج فى البكور دخل الحمام توضأ ثم ارتدى جلبابه الصوف فوق جلبابه الابيض الخفيف بخطوات تحكمها سنوات عمره الخامسة و السبعون و ابتسامة رضا حفرتها خبرات الحياة و نظرة امل رسمها ايمانه بالله دخل الى الى المسجد و توجه الى كرسى خاص به قام بالصلاة عليه و عقب انتهائه من الصلاة خرج من المسجد فاذا به يجده ما هذا انه معطف نسائى يبدو من الوهلة الاولى انه ثمين امسك المعطف و نادى على عم جودة خادم المسجد ليعلن عن عثوره على معطف ثمين على من فقده ان يذهب الى عم فراج ليحصل عليه . امسك عم فراج بالمعطف و توجه الى مشواره اليومى عربة فول عم امين ليحصل على طبق فول بخمسة و عشرون قرشا و رغم ارتفاع اسعار الفول فمازال عم فراج مصرا على الحصول على طبق من الفول بخمسة و عشرون قرشا و مازال عم امين يعطيه نفس الكمية منذ سنوات دون تبرم كانها اتفاقية من الاتفاقيات الدولية التى لا يمكن فضها و لكن الحقيقة ان عم امين يتفائل بعم فراج مثلما يتفائل عم حسين صاحب المخبز الذى يعطيه اول  رغفين من الخبز تخرج من المخبز تناول عم فراج افطاره و حمد الله و شكره على نعمته
  اخرج عم فراج عربته الصغيرة التى عليها بعض الحلوى الصغيرة و الدوم و الحرنكش و ذهب الى المخبز الافرنجى ليحضر بعض من السميط ليبيعه مع الدقة المميزة التى يصنعها بنفسه ليقف امام المدرسة الابتدائية المشتركة تلك المدرسة العتيقة التى يقف امامها منذ اكثر من خمسون عام يبيع السميط و الحلوى و الدوم و الحرنكش الى التلاميذ اجيال كثيرة  مرت عليه لكنهم جميعا يتفقون فى حبه و احترامه
بعد دخول التلاميذ المدرسة جلس عم فراج على الرصيف بجانب عربته يفكر فى كيفية تدبير مبلغ مئتين من الجنيهات قيمة الاشعة التى طلبتها منه الدكتورة حنان التى كانت تلميذة بالمدرسة و رفضت ان تأخذ منه قيمة الكشف و لكنه خجل ان يقول لها انه لا يملك ذلك المبلغ الكبير جدا عليه فما يملكه فى الحياة هى تلك العربة التى لا يتعدى قيمة ما عليها جنيهات قليلة فماذا تعطيه من الربح اخذه التفكير و اخذته الحياة لكنه قال اعوذ بالله من الشيطان الرجيم و نظر الى السماء و اثناء نظره توقفت سيارة شبه فارهة نزل منها شاب و فتاة و قالوا له مرحب يا عم فراج نظر لهم فراج و قال لهم مرحب بكم فبادرته الفتاة الا تتذكرنا يا عم فراج فرد عم فراج بأنه لا يتذكرهم فهو مثل المعلم يمر عليه الاف التلاميذ هم يعرفونه لكنه فى الغالب لا يعرفهم فقال له انا نور يا عم فراج و هذه هالة الطفل و الطفلة الذان كنا نشترى منك الحلوى و السميط و كنت لا تشاهدنا الا معا لدرجة انك فى كل مرة تشاهدنا تقول مقولتك الشهيرة من الواضح انكم ستتزوجوا عندما تكبرون و ها هى نبؤتك تتحقق فقد اصبحت مهندسا بشركة اجنبية خارج مصر و اصبحت هالة صحفية و لم ننسى طبعا اول من تنبأ بقصة الحب هذه خذ يا عم فراج هذه دعوة فرحنا بعد اسبوعين و الفندق مكتوب بالدعوة و هذه قماشة جلباب احضرتها لك من الخارج ثم اعطاه خمسمائة جنيها اخذ عم فراج الدعوة و الجلباب و شكره و لكنه رفض اخذ الخمسمائة جنيها و لكنه امام اصرار نور و قوله له انه طالما اعطاهم سميط و دقة عندما يتملكهم الجوع ثم يعطونه ثمنها لاحقا و فى الغالب كان يتنازل لهم عن ثمنها عندما يعجزون عن الوفاء بالسداد بل طلبوا منه سميط و دقة لان الدقة التى يصنعها بنفسه اشتاقوا اليها ثم نظر اليه و قال سننتظرك فى الفرح يا عم فراج فأنت اهم ضيف فى الحفلة
ذهب عم فراج الى الترزى الخاص به و فصل جلباب جديد لكى يحضر الفرح كما قام بعمل الاشعة و اشترى العلاج الخاص به لكنه تردد ماذا سيحضر لهم من هدية فى الفرح انه لا يملك شيئا لكنه تذكر المعطف الذى مر اسبوعان دون ان يسأل عليه احد وضعه فى حقيبة صغيرة و على باب الفندق اخر خطواته هل من المقبول ان يقوم باهدائهم معطف سبق استعماله و هل من اللائق ان يعطيهم ما لايملك مازال حتى الان لا يعرف صاحبا لهذا المعطف فكر ان يرجع و لا يذهب الى حفلة الزفاف و لكنه الشوق و الفضول لان يراهم و هم بملابس الزفاف وضع المعطف خلف شجرة و دخل الى القاعة لكنه فوجىء بنور و هالة يقفون من على الكوشة و يذهبان اليه و يرحبان به بحرارة و اجلسوه على طاولة تجلس عليها الدكتورة حنان و بعض تلاميذ المدرسة الذين كبروا احتفل الجالسون على الطاولة بعم فراج و فرحوا به فرحة كبيرة و بعد انتهاء الحفلة تسابق الجميع على توصيله لمنزله لكن فازت بتوصيله الدكتورة حنان و اثناء ركوبه فى السيارة بجانبها نظر الى المعطف الموجود بجوار الشجرة و تساقطت دموعه فقالت له حنان لماذا تبكى يا عم فراج قال لها انها دموع الفرح يا ابنتى فانا انظر الى فرج الله ان الثروة و السعادة الحقيقية يا ابنتى هى حب الناس كم انا سعيد الليلة سعادة لا يستطيع الوصول اليها اكبر الامراء و السلاطين و اثرى اثرياء العالم 



                                         بقلم المبدع إبراهيم رزق

الأحد، 25 سبتمبر 2011

إدمان القيد 20


ادمان القيد

كعادته وككل يوم يسير بين الطرقات يستحث البشر ان يحسنوا اليه , كم هو مرهق فذلك العمل ارهاقه النفسي اكبر من ارهاقه الجسدي .
الالحاح  هو السر الذي يفتح لك الجيوب المغلقة فقط اعد كلماتك مرارا ادعو لهم  ذكرهم بأن صدقاتهم تطهرهم  قل لهم ان ما تعطوه قليلا ستجدوه عند الله كثيرا .
هكذا حاله كل يوم يرهق نفسه في الاستعطاف فاذا غلبه التعب جلس بجوار المسجد ينتظر الخارجين من الصلاة قبل ان يرتمي ملقى امام المسجد كهيئته الأولى التي كان عليها في اول يوم في حياته يذكرونه به عندما يقولون له انه وجد ملقى  بجوار المسجد لا يعرفون له ابا ولم يروا له أما فصار وحيدا في الطرقات , طوال حياته يستحث مال المحسنين ويستحث  منهم الحنان والعطف أكثر  . اعوام طويلة مرت على هيامه بالطرقات يجمع المال ولا يصرفه  او يستثمره فقط كان يستشعر العطف في قلوبهم  كان يريد البقاء بين البشر فهو يعلم ان مثله لن يتزوج امرأة طيبة و لن يستطيع ان يكون ربا لاسرة  كريمة, فمن ترضى بشحاذ  لا اصل له ؟. لذلك  ادمن حياة الشحاذة بالرغم انه يملك الكثير والكثير من المال الذي يشتري به الذهب من منطقة مجاورة كي لا يرونه اهل منطقته ويكتنز الذهب  في مكان لا يعلمه الا اياه ولا يستثمره او يزهد فيه لم يكن لبس الخيش و النوم بجوار المسجد  علامات للزهد والورع قصد بها التقرب لله ولكن  علامات له ليخدع به المحسنين ويستدر عطفهم والاغرب انه كان يقنع نفسه دوما  انه يفعل الصواب , و لما لا؟  اليس هو من يستدر عطف الناس ليحسنوا اليه فيثابوا لذلك وتتطهر اموالهم ويبارك لهم في رزقهم  أليس هو من يحيا حياة الذل من اجل ان يكون البشر ربانين يتقربون لله  عن طريقه فيمنحونه مما رزقهم الله؟
غريب امر ذلك الشحاذ لم يكتف بمخادعة الناس  ويقنعهم انه فقير معدم لكنه بحث لنفسه في صالون المجد عن مقعد واقنع نفسه انه يملك اريكة كاملة وليس مجرد مقعد عادي وكان ذلك يحثه على مواصلة عمله بلا تعب, ومرت الايام قاسية حزينة بطيئة  لكن يكفيه ان يرى نظرة حنان واحدة في اليوم لتنسيه كل ذلك ربما كلمة طيبة واحدة تكفيه اياما
وفي احد الايام  كعادته بعد صلاة الظهر القى نفسه على باب الجامع ليذهب في نوم عميق لم يكن يشعر ببرد ولم  يهتم لامر رياح تعتريه فتزيح عنه بقايا الخيش الذي يرتديه نام ولم يهتم بشيء ليشعر بالعرق يملأ وجهه فيستيقظ ليجد ذلك الشيء ذو الملمس الفرائي الغريب  على جسده ينظر اليه بتعجب  ما هذا ولماذا على جسدي نظر حوله بحثا عمن تركه ولم يعرف من  فعل ذلك
نظر اليه متعجبا ذلك المعطف يالتأكيد باهظ الثمن هذا الفراء طبيعي من يمكن ان يتصدق بكل ذلك؟  لم يكن الحاحي مصدره من يمكن ان يعطف على مسكين يرتدي الخيش ومسجى بجوار مسجد بكل تلك الثروة  و دمعت عيناه وتذكر ذلك اليوم الذي كان يستدر عطف أحدهم  فرأى نظرة الحزن في عينيه كأن الدنيا كلها بكل مشاقها تكالبت عليه  لكن ذلك لم يمنعه ان يتصدق عليه في هذه اللحظة كم تمنى ان يفعل العكس ان يفضح سره ويخرج كنزه  ليعطف على محسنه الحزين ويعطيه بعض المال لكنه لم يجرؤ وقتها لذلك
كان يظن ان ما يفعله الصواب وانه مجرد آلة لتدر على من يديرها الحسنات لكن الآن اكتشف انه كان انانيا طوال الوقت  ووجب عليه ان يتطهر من كل الاعوام الماضية  جمع كنزه ووضعه داخل المعطف ونزل للمنطقة المجاورة  وباع كل كنزه  وباع ايضا المعطف وجمع ثروته الطائلة التي تعدت حاجز الألوف بألوف وألوف ثروة لو استثمرها لاصبح من اثرى اثرياء المنطقة  و ذهب لامام المسجد وأخبره بكل ما حدث واعطاه كل المال و طلب منه ان يتصرف فيه بما يرضي الله وينفع الناس 
احاسيس مرتبكة مضطربة  اصابت  امام المسجد ماذا يفعل بكل ذلك المال لكنه اجمع كل قوته وسأل الشحاذ : هلا تركت لنفسك بعض المال؟
- لقد عشت اعواما واعوام لم  استفد بذلك المال ولم اصرفه ولم استثمره ولم يهمني في شيء عشت اعواما واعوام حياة الزهد لخداع الناس اما يحين لي ان اعيش حياة الزهد لأنفعهم و الله لن آخذ قرشا من ذلك المال
 وانصرف ليجلس في  مكانه المعهود بجوار المسجد لكنه لم يمد يديه للناس كما تعود فقط جالس ينظر للمارين
تاركا امام المسجد عيناه دامعتان يفكر في ذلك الشاب الذي قرر ان يتصدق بمعطف  ثمين على شحاذ فقير ليتطهر من آثامه فاذا بالمعطف الثمين يصبح نقطة تحول في حياة الشحاذ المسكين  كم شعر بالغبطة من الشاب والشحاذ و نظر للسماء ودعا ربه
الهي ما عبدتك حق عبادتك وما شكرتك حق شكرك  وما عرفتك حق معرفتك فتقبلني معهما يا رب واهدني لأن اصنع بذلك المال ما ترضى به عني وعنهم
ثم ذهب للشاب (علي ) الذي يعمل لديه محاسبا  وقص عليه القصة كاملة ليفكرا سويا فيما يمكن ان يصنعوه بتلك الثروة الطائلة  لكن (علي) فكر في شيء آخر اخرج آلته الحاسبة وصار يحسب الاموال ويضربها في سبعمائة ضعف ثم يضربها  ليرى ما تصدق به الشحاذ ثم يضربها في سبعمائة اخرى ما تصدق هو به ويضربها في عشرة اخرى  ليحسب اجر الفتاة التي القت بالمعطف لكنه اكتشف ان كل حسنة يقوم بها هي بسبب تلك الفتاة ولولاها ما تغير الا ان امام المسجد استوقفه قائلا : لا تحسب الحسنات كذلك انما هو فضل الله يؤتيه من يشاء و لا ندخل الجنة بعملنا انما بفضله وانما نفعل الحسنات لنتقرب لله حتى يدخلنا فضله .
في الصباح ما كان يشغل عقل علي هو استعادة المعطف مرة أخرى  لأنه رمز لتوبته  فذهب للمتجر الذي باع فيه الشحاذ المعطف وسألهم عليه  فقال له احد البائعين : لم ارى قط معطف بهذه الاوصاف بالتاكيد لم يكن هنا البارحة ربما متجرا آخر
اندهش علي هل بالفعل المعطف ليس له وجود؟ هل هو حقا شيء نشعر به فقط شيء يغير احوالنا  و يتلاشى فجأة من دنيانا 
الا ان بائع آخر  قال له : انه بالفعل كان هنا معطف ولكن اشتراه  رجل آخر بعد ان مشى الشحاذ بدقائق كأن المعطف يرفض ان يترك مقيدا داخل فاترينة او على جسد موديل ولو لثواني  , هل تريد مني ان اذكر لك اوصاف من اشتراه؟
- كلا , فانا على يقين ان من اشتراه يريد ان يعرف حقيقة  بداخله يجهلها
مرت الايام طويلة و اخيرا امام المسجد توصل لمشروع يرضي ربه  به عن الجميع  فقام بشراء قطعة الارض التي بجوار المسجد واتم توسيعه بل  وانشا مستوصفا خيريا بجوار المسجد واقام حجرة صغيرة بجوار المستوصف وحاول ان يقنع  الشحاذ ان يحيا في تلك الغرفة وان يعطيه اجرا من المستوصف لكن الشحاذ ظل رافضا  فاستعمل الامام سلاح الشحاذ وهو الالحاح  وقال له ان الله امرنا ان نستتر  وانت تستحق تلك الغرفة وذلك الاجر لا لما صنعته ولكنك شيخ عجوز لا تملك قوت يومك
اقتنع الشحاذ على مضد  ان يحيا في الغرفة  ومرت الايام عليه  يستغفر ربه ويطلب منه ان يرضى عنه وبجواره المرضى  في المستوصف ابتسامات الحزن على وجوههم حين يرونه  كأنهم بداخلهم يمتنون له ويدينون له بالشكر فيرد بابتسامة حزن اخرى  كأنه يقول انها اموالكم منكم وردت اليكم
و خر الشحاذ ميتا وعلى وجهه تلك الابتسامة  التي لم يطفئها ظلمة الموت بل اشراقة وجهه الصبوح لم  تغرب من محياه
يقال ان كل عائلات المنطقة كادت ان تتقاتل  ليدفن جثمانه في مدافنها  - لأنه بلا عائلة معلومة - الا ان الشيخ قرر عمل اقتراع بين  العائلات حتى يختار اين يدفن الشحاذ 
ويقال ايضا ان جنازته كانت مهيبة لم يتخلف عن السير فيها كبير او صغير من اهالي المنطقة كأن الذي مات لم يكن شحاذا بل كان شخصية مرموقة الكل يدين له
سمع الامام احدهم يقول  انا اكثر ايمانا منه فانا كنت احسن عليه  فأنا ذو اليد العليا التي هي خير واحب لله من اليد السفلى
فزجره الامام قائلا : خسئت الايمان ها هنا - واشار للقلب - لا بالمن  انه رجل ربما اذنب لكنه عاد وقام بتطهير امواله واموالكم قبل امواله
ثم نظر الامام للسماء  في اتجاه الشمس الغاربة قائلا لنفسه  كيف سيكون حالك ايها الامام حين تغادرك روحك كتلك الشمس هل ستكون صبوحا مشرقا مثله ؟
ومضى  في طريقه وهو يصارع دموعه التي تأبى الا ان تسيل  
بقلم المبدع مصطفى سيف

الجمعة، 23 سبتمبر 2011

معطف التوبة 19




وقف   "علي" مذهولاً يمرر عينه مابين المعطف الملقى على الارض وتلك الفتاة الصغيرة التى القاها حظها العاثر فى طريقه هو واصحابه
لقد ادهشه حقا رد فعل الفتاة ....لما خلعت المعطف ؟ثم من الواضح انه غالى الثمن فلما تخلت عنه هكذا والقته فى الشارع دون ان تنظر خلفها حتى ؟!!!!

التقط "على "المعطف واخذ ينظر اليه ........انه الخوف

نعم الخوف هو الذى جعل تلك المسكينة تلقى المعطف فهى تعلم جيدا انه غالى الثمن ولذلك القته لهم حتى تفتدى نفسها وتستطيع الهرب منهم
عندما توصل لتلك الحقيقة وجد موجه من الاحساس بالذنب تجتاحه ....كيف يستطيع ان يسبب كل هذا الرعب لاحد
كيف وصلت به الحال لهذا ...
انها قلة العمل ...نعم هى السبب فلو وجد وظيفه تشغل وقته بعد ما انهى معهد الخدمة الاجتماعيه من 3 سنوات لما اصبح الحال هكذا

3 سنوات وهو جالس على القهوة متعلم  ولكن غير معترف بشهادته,خريج ومعه شهادة تخرج ولكنها تؤهله للاشئ,فلا توجد وظيفه تحتاج لشهادته ولم يتعلم من صغره صنعه تساعده على المعيشة حتى يجد مايانسبه من عمل
وكأن الحياة توقفت به هنا لم يعلم كيف يخطو خطوة مابعد التخرج فهو لم يعد طالب ولم يصبح رجل...... 

ومر والوقت ومع مروره اصبح ناقم اكثر وغير مهتم اكثر واكثر ولسوء الحظ تقابل على نفس القهوة مع تلك الشلة ......
ولو اردنا ان نصف تلك الصحبه فلن نجد اصدق من تعبير شلة سوء.....فمنهم من له نفس ظروفه ومنهم من يزيد عليه بفقر مضجع ومنهم من مبدأه فى الحياة ان الغايه تبرر اى وسيلة
غايتنا ان نحصل على مال فى اى وسيله مشروعه ,غايتنا ان نمرح ونخرج من كبت الحياة فاى وسيله لذلك مشروعه
وها هو تحت  هذا الشعار اصبح مشروع بلطجى لابأس به يطارد فتاه صغيرة فى الشارع ويجبرها على التخلى عن معطف كهذا الله وحده اعلم ماقيمته عندها
اخذ المعطف وعاد الى بيته وهو يفكر كيف يعيده لتلك الفتاه وبذلك يكون كفر عن ذنبه وسوف يعتذر منها ايضا
هداه تفكير الى ان يعود تانى يوم ومعه المعطف وينتظر فى نفس الطريق فهى كانت ترتدى تحت المعطف ملابس مدرسية وهناك احتمال لابأس به ان يكون هذا هو طريق عودتها من المدرسة لبيتها


وبالفعل ذهب وانتظر ولكنها لم تمر ,........لم ييأس وقرر معاودة المحاولة تانى يوم فلن يكفر ذنبه بهذه السهولة
استمر على هذا الحال اسبوعيين كاملين ولا اثر لتلك الفتاة...ترى ماذا حل بها ؟
رجع الى منزله وعلق المعطف فى دولابه  فى يأس  وفى كل مرة يفتح فيها الدولاب يجد المعطف امامه يذكره بما فعله ويذكره بان الله غير راضى عن افعاله وان هذا المعطف ظل معه ليشعره بذنبه


بدأ يتقرب لله عله يغفر له خطيئته فعاد لصلاته التى انقطع عنها منذ ان تخرج عله يجد فيها  شفاء  له....... وبانتظامه فى صلاته بدأ جلوسه على القهوة يقل وبدأ التباعد بينه وبين الشله اياها


وفى يوم بعدما فرغ من صلاة العشاء وهو يسلم على من يصلى بجانبه وجده يحدثه ما اسمك ياصاحبى
قال له: "على."..فرد عليه الرجل انا ملاحظ انك دائم التردد على المسجد يا"على " ربنا يثبتك يا ابنى
ثم سأله انت بتشتغل ايه؟
ابتسم على وقاله ولا حاجة مش لاقى شغل متخرج من 4 سنين تقريبا ولسه مالقتش شغل


سكت الرجل قليل ثم قال:طب انت بتفهم فى الحسابات ؟لو ليك فيها فانامحتاج حد يمسكلى حسابات المحل عندى
على:طيب انت حتى ماتعرفنيش وانا ماليش خبرة ...فعلا عاوز تشغلنى؟
الرجل:وفيها ايه اللى مايعرفش يتعلم وانت يابنى وشك بشوش وانا ارتحتلك وده من علامات رضى ربنا عليك
على:رضا ربنا ؟ولم يتمالك نفسه وقص على الرجل ماكان يفعله انتهاء بقصة المعطف
قال له الرجل :لو عاوز رائ دى كانت اشاره من ربك علشان تفوق لان معدنك طيب..  تبرع بالمعطف لحد يكون محتاجه طالما مش لاقى صحبته  واطلب من الله الغفران دى رحمته وسعت كل شئ  وانا منتظرك بكره ان شاء الله فى العنوان الفلانى


رجع على الى بيته وهو متفائل واخرج المعطف من دولابه وذهب به  جامع ليتركه مع شيخه يعطه لمن يستحق واذ برجل عجوز ينام امام الجامع ويضع عليه قطعه من الخيش لتقيه برد المساء
فهداه تفكيره الى ان يلقى بالمعطف ليغطى به الرجل فهو محتاج لدفئه اكثر من غير
واستدار عائد لبيته وهو ينظر للسماء فى امل....امل ان يتقبله الله مره اخرى


                بقلم المدونة الجميلة ريماس صاحبة مدونة بنوتة مصرية