الخميس، 28 يوليو 2011

فليسقط القناع 17

                                

ذهب كعادته لينظف الميدان ويبقيه كما تركه بالأمس حتى يشعر كل من يزوره بروعة المصريين وروعة مافعلوا

أخذ ينظف الميدان كعادته مردداً الأغانى الوطنيه التى كان يتغنى بها أيام الثوره والقصائد التى كانوا يرددونها عندما كان فرعون مصر موجود ولا يريد ان يرحل

واثناء انهماكه فى عمله لاحظ هذا الشىء الملقى بعيداً ... ذهب ليرى ما هذا فوجد ذلك المعطف الذى يظهر من شاكلته أنه لأحد الأثرياء اللذين كانوا يشعرون بما يعانيه الفقراء فنزلوا للميدان لينادوا بحياه كريمه لهم

كان يريد أن يعيده الى صاحبته .... فهذا أقل مايمكن أن يقدمه لها فهى لم تنزل الميدان الا لأمثاله من المواطنين الفقراء... ولكن من هى صاحبته ؟ وكيف سيعثر عليها ؟

بعد تفكير طويل وسؤال أشخاص كثيرين بالميدان عن صاحبة المعطف ... لم يفيده أى شخص .... فقرر أن يأخذه لزوجته .... فهى من المؤكد أنها ستفرح به كثيراً

ذهب لزوجته وحكى لها عما حدث وقال لها هذا من حقك فلا نعرف له صاحب .... فرحت كثيراً بهذا المعطف فهى لم ترتدى مثل هذه الأشياء القيمه من قبل .... ولا تتذكر أنها رأت أحد يرتديه من منطقتها فهم أناس بسيطون لا يبحثون الا على لقمة العيش .... لقمة العيش فحسب

احتضنت المعطف وهى فى قمة سعادتها وحاولت أن تجربه عليها .... لكن فرحتها لم تدم طويلاً .... فنسيت أن وزنها الزائد لن يجعلها تستطيع ارتدائه نظرت لزوجها بكثير من الحسره والأسى .... فضحك كثيراً وقال مداعباً لها : كيف غفلت عن هذا ؟ .... هذا المعطف يريد فتاه فى العشرينات .... أما أنتى ...

قاطعته : أما أنا ماذا ؟ ....

ابتسم وقال لها : أما أنتى فأجمل أنثى فى نظرى ..... أنا أمزح معكِ

سكتت ثم قالت له وماذا سنفعل بهذا المعطف

فقال لها : لا أعلم ..... أنا لا أدرى لماذا أخذته ..... فأنا لم أجلب لنفسى الا الحيره

أخذت تفكر ملياً ثم قالت له : أتذكر تلك الفتاه التى سكنت جديداً عندنا .... هذه الفتاه التى دائماً وحيده ولا تتحدث الى أحد ولا يزورها أحد

فرد قائلاً : نعم .... نعم ... أعرفها .... ماذا بها ؟

أتخيل المعطف عليها سيصبح رائعاً .... هذه الفتاه كثيراً ما أشفق عليها وعلى حالها .... ولكننى لا أستطيع التحدث اليها فهى دائماً بمفردها ولا تكلم أحد أبداً .... أتذكر اننى حدثتها مره واحده وكان حديثها مقتضب وكأنها لا تريد التحدث


_ كيف إذاً ستعطيها هذا المعطف ؟

_ لا أعرف ولكن لابد ان هناك طريقه ما .... سأذهب اليها وأعطيها إياه .... ألسنا جيران ولنا حقوق وعلينا واجبات تجاه بعضنا البعض .... لمَ ترفضه إذاً ؟ .... أنا أريد أن أخفف عنها هذه الوحده التى تعانيها ....فكيف لفتاه فى سنها لا يكون لها أصحاب أو أهل .... عجيب أمرها !

_ أخشى أن تحرجك وترفض أو أن تجرحيها أنتى بعطفك هذا

_ لا تخف فإن احرجتنى ... سأشعر أننى فعلت مايمليه على حق الجار

كانت " علا " جالسه على أريكتها تداعب قطتها التى تبقت لها من الماضى تشكو لها همومها وتستمع لها القطه بكل انصات ..... انصات لم تجده عند بشر كثيرين .... تمنت لو تنطق هذه القطه لتخرجها من وحدتها .... على الرغم من أنها تشعر أن القطه تحتويها دون ان تتحدث او تنطق بكلام

دق جرس الباب ... تعجبت علا كثيرا ... هل بابها هذا الذى يدق ؟! ... كيف ؟ ... ومن ؟ ... ولمَ ؟ ... أسئله كثيره جالت بخلدها ... فمنذ أمد طويل لم يزورها أحد

فتحت الباب لترى من بالخارج ... نعم هى تعرف هذه السيده ... فقد رأتها وتحدثت لها من قبل ... ترى ماذا تريد منها
؟ ... غرقت فى صمتها لثوانى ثم تنبهت على صوت السيده تقول لها :

_ أهلاً بك ياآنسه .... أنا جارتك وسبق لى أن تحدثت معكِ ... فهل تسمحين لى بالدخول

_ نعم أتذكرك ... بالطبع تفضلى

_ جلست " سيده " وافتتحت حديثها قائله : أنا اعلم انك جاره جديده لنا فوددت أن أتعرف عليكى ... نحن هنا جميعاً أهل ... فلتعتبرينا أهلك

صمتت " علا " قليلاً فهى تكره البشر ... لا تحب أن تتعامل معهم ... فهى لم تذق منهم الا الجرح ... تكره الوحده نعم ولكنها تكره أكثر البشر وأفعالهم ... لذا تفضل دوماً أن تبقى بعيده ووحيده

ولكن هذه السيده يبدو عليها الطيبه ولم تفعل لها أى شىء سىء فما ذنبها لذا ردت عليها بعد فتره ليست قليله من الصمت قائله هذه الأحرف فقط : بالطبع

شعرت " سيده " بصعوبة مهمتها مع هذه الفتاه التى لا تبتسم ولا تتحدث الا قليلاً وكأنها تخشى على لسانها وفمها من التلف

حاولت تبادل أطراف الحديث معها ولم تعرف عنها سوى اسمها وأنها خريجه لجامعه غريبه لا تستطيع سيده حتى أن تنطق بإسمها .... لا تعرف كيف ستعطيها هذا المعطف ... ولكنها تشجعت وقالت سأقول لها وأياً كان تصرفها فلن أغضب

_ أحد أصدقاء زوجى أهداه هذا المعطف لى ... ولكننى عندما جئت لأرتديه وجدته لا يليق على جسدى كما ترين ... وعندما رأيتك ذات يوم شعرت أن هذا المعطف كأنه صنع لترتديه ... وكأناك أنتى صاحبته الأصليه ... فهل تقبلينه هديه منى ؟

نظرت " علا " للمعطف ملياً ... تلعثمت ... فجمال هذا المعطف لا يقاوم ... لم تشعر بنفسها الا وهى تأخذه من السيده وتشكرها على صنيعها معها

فرحت " سيده " كثيراً لأنها تخلصت من المعطف وكذلك أسعدت هذه الفتاه التى الى الأن لا تعرف حكايتها تركتها تنفرد بالمعطف وذهبت لزوجها لتطمئنه وتحكى له ماحدث


أغلقت "علا " خلفها الباب .... أمسكت بالمعطف ... قامت بارتدائه وأخذت تسير فى خيلاء وزهو بنفسها ... نعم ... كأن هذا المعطف لم يخلق الا لها ... تذكرت وهى ترتديه " علا " القديمه ... علا التى كان الجميع يشير لها بالبناااان ... علا التى كان الجميع يحاول أن يرضيها ويتمنى نظره منها ... علا التى كان أقل معطف من معاطفها أفضل من هذا المعطف بكثييييير

ولكن ... أين ذهب كل هذا ؟ ... باعت كل ملابسها لتستطيع العيش بعد أن ضيع أبيها ثروته على القمار وعلى نزواته ومات بعدها بحسرته ... فهو لم يستطع أن يعيش يوماً واحداً كمواطن فقير ... وهو الذى اعتاد على عيش الأثرياء

لم يتبقى من ملابسها الا هذا البنطال الذى كان عزيزاً عليها لأنه يحمل ذكرى أول لقاء بينها وبين خطيبها ( سابقاً ) ... أخرجت هذا البنطال وارتدته على المعطف وخرجت فى الشارع .... لتسترجع واحده قد نسيتها من قبل

كانت كل خطوه تسيرها تلمح نظرات الاعجاب والهوس فى عيون كل من يراها ... كم افتقدت تلك النظرات منذ أمد بعيد

نعم ... هؤلاء هم البشر يقيمونك حسب ماترتدى وتمتلك ... لا حسب ماتفعل ... فماذا اختلفت علا التى ترتدى البنطال والمعطف اليوم عن علا التى كانت تسير فى الشوارع بملابس عاديه بالأمس ؟

علا هى علا ... كل ماتغير نظرة هؤلاء الناس ... علا البسيطه لم ينظر لها أحد ولم يعيرها أحد أهتماماً أما الأن فهى علا أخرى الجميع ينظر لها ... الجميع ينبهر بها

بينما هى شارده فى تفكيرها وفى حال البشر العجيب وجدت تلك المتسوله تستعطفها أن تعطيها أى شىء ... ضحكت كثيراً فمهما أقسمت لهذه الفتاه أنها لا تمتلك فى جيبها ربع ماتمتلكه هذه الفتاه لن تصدقها " فالبشر دائماً لا يصدقون الا ماتره اعينهم ولا يصدقون الا ظواهر الأمور " ... نظرت للفتاه طويلاً وشعرت أنها لا تفرق عنها أى شىء

فهى الأخرى متسوله ... أخذت معطفاً ليس معطفها لتعيد لنفسها زهو الأيام الماضيه

عادت الى البيت ولامت نفسها كثيراً : كيف قبلت بهذا المعطف وهى التى كانت تعطى دائماً ولا تأخذ ؟

كيف استطاعت يدها أن تمتد لتقبل حسنه أو عطف أو شفقه من أحد تحت مسمى الهديه ؟

ولمَ تهاديها هذه السيده ... هل تربطها بها شىء لتعطيها مثل هذا المعطف ؟

يالله ... يالسخرية القدر ... علا التى كانت تشفق على الأخرين ... جاء اليوم الذى يشفق عليها أخرين

لا ... لا ... هى تكره الاحساس بالمذله والانكسار والعطف ... كان ينبغى لها ألا تقبل بهذا المعطف أياً كان

نظرت للمعطف بكثير من الضيق .... تذكرت ماحدث لها اليوم وكيف كان الناس مبهورين بها ... انبهار مزيف

تذكرت قديماً كل أصدقائها اللذين رحلوا عنها عندما ضاعت ثروتها وثروة أبيها ... تذكرت هذا الحب المزيف الذى كان يضحك به خطيبها علييها لينال من ثروة أبيها وعندما تلاشت الثروه تلاشى معها الحب

تذكرت كل أقاربها اللذين لم يقفوا بجانبها عندما توفى أبيها ... وهم اللذين كانوا يتوددون لهم متمنين نظرة رضا

كم تكره كل البشررررر ... كم تكره زيف المشاعر ... هذا المعطف يذكرها بزيفهم وخداعهم ... كلما سترتديه ستتذكر حب مزيف وتودد كاذب وذكريات مؤلمه

ولماذا الى الأن تحتفظ بهذا البنطال .... هو أيضاً ينبغى الا يوجد فى ملابسها من اليوم ... قامت بتمزيقه وهى تبكى وتردد " عالم مزيف "

وأخذت بالمعطف وذهبت " لسيده " وأعطتها اياه ... وقالت لها " هذا المعطف ليس لى ... اعطيه لمن تستحقه ... أما أنا فلا أريده ... أنا أريد أن أكون نفسى ... وليس أحد غيرى " وتركتها وانصرفت

وأخذت تردد طوال الطريق " أريد أن أكون نفسى ....أريد حب صادق "




                                                   بقلم الكاتبه الرائعه دعاء العطار

هناك تعليقان (2):

ابراهيم رزق يقول...

فعلا يجب ان تكون نفسها

تلك هى البداية لكى تتقدم و لكى تعيش و لكى تتعايش

تحياتى لابداعك

ليلى الصباحى.. lolocat يقول...

السلام عليكم
اختى الغالية دائما ما يأخذنا قلمك لحالة خاصة من الاحساس و العمق
واجمل شىء انك استعنت بقطة فى قصتك :)


كل عام وانت بخير وسعادة حبيبتى
تقبل الله منا ومنك صالح الاعمال
تحياتى وتقديرى