ظلت سنين طويلة تحتفظ بذلك المعطف ، تتوسده في ليل الصيف ، و تتلحفه في ليل الشتاء ، دون أن تكف بكاء زوجها في جوف الليل ، و وسط النهار ، حتى انحنى ظهرها و ضمر جسمها رغم أنها تقضي أيامها بين أحفاذها في بيت ابنتها !
و في يومِ ما رأت فيما يرى النائم أنها في صحراءِ قفراء جرداء ، و بغتة و ما بين لحظة و أخرى لاح لها نفراً تشكل من لا شئ كلمح البصر ، كان يسير نحوها ، و كلما اقترب منها استطاعت أن تقرء ملامحهُ أكثر ، كان زوجها بشحمه و لحمه ، و قد تغيرت ملامحه و هيئته فعاد شاباً ملتحي بلحية تفيض وقاراً و جمال نورٌ على نور ، كان يشير بيديه نحوها محاولاً محادثتها يحرك بشفاهه دون أن يصلها منه شئ ، و حين يئس من التواصل معها إختفى كما ظهر ، و كأن الأرض انشقت و ابتلعته !
استيقظت من نومها جافلة نافضة البدن و يديها ممدودة بإتجاه السماء ، كأنها تحاول ايقافه !
استعاذت بالله من الشيطان الرجيم ، ثم عادت تستجدي النوم حتى يتجدد الحلم ، و بينما هي تتقلب في فراشها تجتر نشوة ذلك الحلم تجمعت في مخيلتها أحداث حكاية كانت قد حكتها لها أمها في صغرها " إذا جاء الميت في المنام فقد جاء ليصطحب معهُ نفراً . . . ! "
و منذ ساعة ذلك الحلم ظل يشغل بالها ذلك القادم من عالم الأموات ، عساهُ يأتي ، و يقترب ليضع نهاية لعمر غرق بعدهُ بالأسى و لوعة الفراق .
و بعد مرور شهر بالتمام على ذلك الحلم استيقظت على صوت أذان الفجر حيث سمعت للأذان صوتاً مختلف على الرغم من أنها تسمعهُ منذ أكثر من عشرين عام بصوت نفس الشخص ، لكنهُ هذه المرة كان صوتاً قادماً من بعيد ، من جوف الأرض ، من فوق السموات ، و كأنه يرفع لها خصيصا ً ، دب في عروقها الشباب ، فقامت على عجل و توضأت فأحسنت الوضوء ، و صلت فجرها حاضراً و أدتها حقها من الخشوع ، و حال انتهاءها من صلاتها و التسبيح عادت لسريرها و هي لا تزال تتمتم بشهادتين و الإستغفار حيث كان ذلك المعطف مكوماً مكان الوسادة ، فقد كانت منذ بداية الصيف كعادتها في كل صيف تتوسده ، نفضتهُ في الهواء ، و ضمتهُ الى صدرها تنتشي فيه أحضان زوجها ، لتعود إلى عينيها صورته في ذلك الحلم ، و على حين غرة إيقظتها من شرودها وخزة إبرة عالقة في المعطف في صدرها ناحية القلب ، و خلال يومين تقرح الجرح لكونها مريضة بالسكري ، و أصبح غرغرينة ، صالت أبنتها و زوجها بها بين الأطباء التي لم تكف عيونها للحظة عن ذرف الدموع ، و تلاوة الدعوات في وقت السحر و جوف الليل ، لكن الله شاء و قدرهُ غالب ، انتشرت الغرغرينة في سائر جسدها ، و ظلت تتقلب على جمر الألم حتى فاضت روحها، فذهبت النضارة عن وجه ابنتها التي كانت لها الأم و الأب ، و انطفئ بريق عيونها حتى استسلمت للأمر الواقع ، و في لحظة حزن عارم دخلت ألى غرفة والدتها و أخذت بالمعطف و ألقت به من الشباك .
بقلم المدونة الجميله حنين نضال صاحبة مدونة أحرف الحنين
هناك 4 تعليقات:
و دخل المعطف الى رحلة اخرى بنكهة و طعم مميز
جميل جدا ما سطرتى
تحياتى
ما اجمل تعبيراتك ورؤيتك البعيدة ..تحياتي وامتناني لقلمك
إرسال تعليق