الجمعة، 6 يوليو 2012

معطف من الشوق 42







لماذا لا ترتدي معطفك الجديد؟
سؤال تردده أمي ليلاً نهاراً كلما رأتني أهم بالخروج تسألني نفس السؤال و أجاوبها نفس الإجابة : لأنه لا يناسب الخروجه, سنوات و هي تسأل و أنا أجيب لا يملّ أحدنا, كان سؤالها نوع من مضايقتي فهي غاضبة مني حزينه على حالي, تمر السنوات و أنا أرفض الزواج و أسخر من كل عريس تجبرني أن أراه, تحاول أن تتقصى عن أحوال قلبي فلا تجد إلا باباً مغلق, لم تعرف الإجابة الحقيقية أبداً.

جلست في مقهاي المفّضل القريب من البحر أحتسي القهوة و أستعيد الذكريات كعادتي..عندما إتفقنا على أول لقاء لنا عند القلعه حتى يشهد التاريخ الكامن في البناء, الحاضر الكامن فينا و المستقبل الكامن في أمواج بحر غادر على أول مره تلتقي فيها أجسادنا, و إن كانت القلوب قد تلاقت كثيراً من قبل و الأرواح إنفصلت عن جسدينا و لم تعد بعد.

نزلت قبلها للتسوق كنت أريد أن أقابله بأجمل قطعة ملابس على وجه الأرض, بهرتني أناقة المعطف و بساطة تصميمه و شعرت في زرقته الداكنه لوناً كريماً ساحراً يشبه علاقتنا, إرتيدته يومها و لكننا لم نلتقي..غاب و غابت معه روحي, كان رغم كتاباته الرومانسية التي خطف لُبّي بها كاتباً سياسياً جريئاً..و كان إعتقاله بمثابة إعتقالاً لقلبي, الرسالة الأخيره التي أرسلها لي عن طريق صديق مشترك كانت سببي الوحيد للحياة..لا تحاولي أن تجديني فأنا أخاف عليكِ لأني..أُحبـــك.

لم يهوّن علي غيابه طيلة هذه السنوات إلا كتاباته القديمه و تعليقاتي عليها و ردوده و مابين السطور..كنت أثار و أغار جداً من تعليقات الأخريات و هن يشدون بجمال حرفه و يعبدن أسلوبه, و كثيراً منهن كاتبات محترفات بتنميق الكلمات و فنون الجذب اللغوي, أما أنا فكنت أكتب له و كأني أحدثه, رغم أني أجيد الكتابة بالأنامل الذهبيه مثلهن, لكنني كنت أجد نفسي أمامه فقط..أنا..بعيداً عن أي ذواق, أحب أن أعلّق له ببساطة قارئة و ليس بحرفية كاتبة, أما هو فكان ملِك في إستخدام الحروف بكل الألوان حيث يراها القراء زرقاء و وحدي أرى اللون الأحمر, كان جداً متمكن...من قلبي.

في زمرة رحلتي اليوميه مع الذكريات, دخلت لأتصفح صفحتة كعادتي, فأنا أُصبّح عليه فيها و أُمسّي, أفتحها كثيراً و أتحدث لها و كأني أحدثه, أعاتبه, أبثه أشواقي, أقصّ عليه أحداث يومي, أبكي من منغصاتي و أطلعه على أسراري! لكن هذا اليوم كانت صفحته مختلفه..لقد عاد..عاد ليكتب بها..غير تصميمها الذي حفظته عن ظهر قلب, و غيّر صورته التي لم تفارقني لحظة و التي كنت أقول كلما وقعت عيني عليها "حبيبي"..لا يهم التغيير المهم أنه عاد.

أمسكت هاتفي و بيد مرتعشه طلبت نمرته التي لم أطلبها منذ سنوات..بمجرد أن رد كنت قد بدأت في الذوبان..أتلاشى شوقاً له..أخبرني أنه توحشني..و قلت دون تفكير..أُحبك..أًحبك و لا أريد منك شيئاً, كنت أفتقد صوته بشكل مرعب, و كأن حياتي توقفت طيلة هذه السنوات و الآن فقط ضغطت على زر play.. لقد عُدت,  كان هو أيضاً في حالة إشتياق و لهفة و طلب مني ميعاد آخر لنعوّض ميعادنا الذي لم يتم..

لماذا ترتدي المعطف اليوم؟
نظرت لها بإستغراب و قلت: لأنني اليوم أخيراً سأخرج.

إنتظرته و قلبي يقتله الخوف, و لكنه خالف كل مخاوفي و أتى..كانت مشيته مميزة..كحصان يخطو بهدوء و ثقه, تعانقت يدانا و سلّمت القلوب سلاماً أكبر, شعرت في نفسي بضعف يضايقني, كنت على إستعداد تام لفعل أي شئ و أنا معه, كالمجاذيب كنت أهيم في حضوره, لم أسأله عن السنوات الماضيه, كان بين عيوننا حديث أكبر, حتى باغتني هو و أسقطني على أرض الواقع..
-أتدرين أين كنت؟
-كنت في المعتقل..هذه المعلومه الوحيده التي عرفتها.
-نعم كنت..و خرجت بعد الثورة و شاركت فيها.
-خرجت منذ عام إذن؟
-سلمى..أنا..
-شششش
وضعت إصبعي على فمه ثم همست في أذنه..وحشتني..
لمست ذراعه و قلت دون وعي..محمد هل أنت حقيقي هذه المره؟...لم أتصور أن خيالي أصبح أمامي الآن رؤي العين, كان شوقي يغلبني بشكل يثقل جفوني و يجعلني متماسكه أمامه بصعوبه, كنت أود أن أركض, أن أبكي أن أضحك أن أنام في حضنه و لا أصحو أبداً..أسقطني سقطة أكبر على أرض الواقع..
-أنا لن أستطيع أن أراكِ ثانيةً..


-لماذا؟
-أخاف عليكِ..
كنت أجاهد في منع نفسي من البكاء..إستطرد,
-لقد خرجت من إعتقال دام 6 أشهر منذ أسابيع قليله..و لازال لدي الكثير ضد بقايا النظام..المُعارضه طريقي و قد أكون مراقب الآن..لقد وعدتك يوماً ألا أؤذيكِ و أنا عند وعدي..
-و من قال أن بعدك لا يؤذيني؟
-أنا أريدك بخير و سعيده فقط..حبك سيبقى بين دفاتري.
-و لكني كما قال نزار أفضّل الموت على صدرك و ليس بين دفاتر أشعارك..
-و أنا أريدك أن تموتين في فراش دافئ بين أبناء و حفدة.
-هل تظن أنني سأكون نسيتك وقتها؟ مخطأ أنت..لأنك لا تعرف أن المرأة لا تنسى حبيبها أبداً..
-ستُحبين آخر..
-قد يدخل حياتي آخر..لكن لن يدخل قلبي غيرك.
-لا تتعبيني.
-أنا لن أستجديك لتبقى.
-و كيف تستجدين من كنتِ مليكته.
-إذا لم تستطع أن تمنحني حبك فلتمنحني صداقتك.
-صداقتك تربكني و صوتك يبدد مفاهيمي عن الصداقة.
-إمنحني حق أن أسمع صوتك ولو كل حين و أراك و لو مره كل عام.
-لا أريد لنا حياة رمادية.
-و أنا لا أريدها سوداء.
أدرت وجهي كي لا يرى دمعة غلبتني, كيف يزعم بحبي و لا يريد أن يراني أو حتى يسمع صوتي..هل بعدي عنه هين لهذه الدرجه,
-لماذا طلبت مقابلتي؟
-لأني كنت مدين لك بلقاء لم يكن....و لأنك..وحشتيني..
كنت كتمثال لا شعور لا تعبير لا شئ, شعرت أني فقدت روحي هذه المره فقدتها للأبد..أفقت على يداه تضُم يدي, سرت في جسدي رعشة و في دمي كانت تسبح زهور فواحه لم تخلق بعد..دمعت عيوننا في لحظة عشق صادقة...وضع يده على معطفي حاول أن يلفني بذراعه, و لكنه سرعان ما إستدرك نفسه و عاد لرصانته.

-أنا أخاف عليكِ أرجوكِ خلي بالك من نفسك.
نظرت له بتعجب..خلّي بالك من نفسك!! و ما الجديد أنا دائماً أُخلي بالي من نفسي, و هل كنت أنت تهتم أو تحاول حتى أن تعرف كيف هي ..نفسي؟..خلي بالك من نفسك!!..جملة سمعتها كثيراً في قصص حب تحتضر, و لكن قصتنا لم تبدأ بعد حتى تحتضر , لن تبدأ و لن تحتضر..نحن لم نفترق لأننا أبداً لم نلتقي..فكيف تقل لي..خلّي بالك من نفسك؟

نهضت فتبعني و سرنا خطوات قليله كنت أتمنى أن أغمض عيني و أموت في هذه اللحظه..إنها اللحظه المناسبة تماماً للموت..للخلاص..إقترب مني ليُسلّم علي, أعطيته كفي في إستسلام..كيف تكون أول مره هي الأخيره..و أول لقاء هو الأخير و أول إعتراف هو الأخير..و أول حب حقيقي هو الأخير..كيف؟

سرت وحدي على الكورنيش أضم نفسي بالمعطف..معطفه..كم كنت أتمنى أن يكون هو معطفي, هو دفئي و حضني و أماني, لكنه ترك لي البرد و الخواء, أدرك جيداً أنني علّقت نفسي بخيوط واهيه ليس عن جنون و لكن عن عشق, عشق ليس له قواعد أو فروض, سأحتفظ به في قلبي لا أريد منه شيئاً كما أخبرته.
خلعت المعطف عني..قبّلت أثر يده و شممت رائحته بين ثنايا المعطف, ثم ألقيت به على سور الكورنيش..و ركضت وركضت وركضت...لن تسألني عليه أمي بعد اليوم.

هناك تعليق واحد:

رحاب صالح يقول...

مممممممممممممممم
حلوة كتير يا شيري
سلمت يداك