الأربعاء، 1 يونيو 2011

الشاطر حسن و ست الحسن و الجمال 11

بعد خطاب التنحى طار حسن من الفرحة و احتضن كل من يقابله احضان حميمية دون ان يرى وجوههم لكنه يعرفهم من رائحة عرقهم التى طالما اذكت انفه طوال ايام الثورة يعرفهم من صدق مشاعرهم يعرفهم من كسرات الخبز التى اقتسمها معهم بعد قليل تغيرت اشكال الوجوه وجوه سعيدة جاءت لتحتفل و لكنها ليست تلك الوجوه التى القى براسه بجانبها و هم يتلحفون السماء احس فجاة انه يشتاق الى حضن امه تذكر انه لم يشتاق طوال المدة التى قضاها فى التحرير الى حضنها رغم تعلقه المرضى بها ربما لانه كان فى احضان ام اكبر رجع الى منزله فتح الباب فوجد امه تجلس على سجادة صلاتها تناجى ربها ركع بجوارها و بعد ان انهت صلاتها و تسليمها وجدت نفسها بين احضانه اه يا حسن كيف اتيت بهذه القسوة لماذا لم ترحم مشاعرى لم تكن ابدا قاسيا لكن بمثل ما ادميت شريان قلبى بمثل ما اعدت الدماء الى عروقى فخرا و فرحا بك

دخل حسن الى الحمام ليستحم و لكنه وقف برهة لا يريد ان يستحم يريد ان يحنفظ بغبار التحرير الذى يحيط بوجهه بحيث يكاد ان يغطيه يريد ان يحتفظ برائحة عرقه التى اختلطت برائحة رفقاء الدرب لكنه فى النهاية استسلم لقطرات المياه التى نزلت على جسمه كانها تزيل ذكريات من احلى ذكرياته
خرج من الحمام وجد امه قد اعدت له الطعام كم اشتاق لطعام امه رغم بساطته كم اشتاق لكوب شاى كم اشتاق لصينية كنافة عادية و لكنها فى فمه اجمل و فى عينه افخر من كل الحلويات السويسرية والفرنسية تناول طعامه بنهم ثم دخل الى غرفته
القى بجسمه على السرير والقت الذكريات ثقلها عليه  هو لم يقصر طوال حياته عاش مجتهدا منذ طفولته و هو يعمل بجانب تعلمه يعطف على الكبير و الصغير متفوق من اوائل الثانوية العامة كان امامه كل كليات القمة و لكنه اختار كلية العلوم حلمه الذى كان يحلم به تفوق بها و بعد تخرجه رتب نفسه على تعينه معيدا بها و لكنه نسى فى نشوة حلمه ان الكلية التى تعلم بها ورثت كما ورث كل شىء بمصر جاءوا بمعيد من احدى الجامعات الخاصة عن طريق التعيين ابن احد المهمين بالكلية استسلم لواقعه فهو مسالم لاقصى درجة و حاول ان يتعين فى احد المراكز البحثية لتخصصه لكنه لم يستطع لانه انسان بسيط ابن رجل بسيط يعيش فى منطقة شعبية و عين من نجح بمقبول لم يستسلم للاحباط حاول ان يكمل دراسته بنفسه و لكن من اين سياتى بمصاريف الكتب و المراجع و مصاريف التقدم للدراسة يكفى ابيه وصوله الى هذه المرحلة لم يعد يتحمل نظرات الشفقة من ابيه كانها احجار تصيبه دون ان تنزف  دما لم يعد يتحمل نظرات من خفق قلبه بها اسر ان يضحى بحبيبته و لكن كيف ان يضحى بابيه 
لذلك مع بداية الثورة بدء الحلم فى العودة اليه الحلم بست الحسن و الجمال الحلم بوطن يسكن به و يسكن بداخله الحلم بحبيبة يسكن لها و تسكن له الحلم بأب يستند عليه و يستند به الحلم الاكبر بام تحتضنه لذلك نزل الى الثورة و كان شعاره لا نجوت أن نجا لا نجوت أن نجا الحلم امامه يكاد ان تمسكه انامله لذلك استدعى كل شموخه و عزته و نضاله من اجل القبض على الحلم الهارب الذى ظن انه لقى مصرعه اثناء هروبه ولم يعد يحلم به لانه احس انه قضبان يسجن خلفها بدلا من طائر يطير به اصبح قيودا تقيده بدلا من طاقة تدفعه اصبح احزان تخنقه بدلا من فرحة تسعد فلبه

انقطع حسن عن التحرير فترة من الزمن جلس امام التلفزيون يشاهد وجوها تتكلم عن الثورة لم يشاهدها فى التحرير ابدا ربما مرت مرة او جاءت بزيارة عابرة لكنها لم تفترش الارض لم تتعرض للموت لم تفقد عينها او كسرت قدمها يا الله من يتحدث عن من لم يذكر احد حسن او من نام بجانبى لم يحمل احد منهم شهيد او مصاب و اختلط دماءه بدمه لم يشاهد الاطباء و الطبيبات الذين كانوا يعملون داخل اخيام تمنى من شدة اهتمامهم بالمرضى ان تصبح كل مستشفيات مصر من الخيام لم يشاهد و لم يشاهد و لم يشاهد

فكر حسن فى العودة الى التحرير لعله يلتقى ببعض الاشياء التى افتقدها  احس بالغربة من الوهلة الاولى  يا الله اهذا هو التحرير الذى تركته ما هذا الذى اشاهده هناك باعة يبيعون كبدة و سمين و سجائر و اعلام و كشرى و بوسترات و قمصان و تمر هندى و عرقسوس و مياه غازية
و هناك باعة يبيعون الوهم و النصب و الكلام و يشترون مصالح شخصية و مكاسب اعلامية على حساب دم الشهداء شاهد من يرفعون المصحف و شاهد من يمسك بصليب كل هذا المشاهد لم يكن يشاهدها زادت غربته نظر الى السماء هل هذه السماء التى تلفحت بها اين الوجوه التى اعرفها اين الرائحة التى احبها لم يستطع حسن الوقوف اكثر من ذلك فهم فى الرحيل لكنه افاق على صوت يناديه حسن التفت الى الصوت الذى يناديه وجده امامه
يقول له الا تصدق انى امامك انا اقف امامك منذ فترة طويلة انظر الى عينيك واراك تبحث عنى مع انى اقف امامك
نظر حسن لها و قال كنتى حلمى و الان لم تعودى حلمى  
قالت له ما الذى تغير فى يا حسن
قال اصبحتى ترتدين معطفا غاليا لم يكن حلمى ان ترتديه فى يوم من الايام  و لااستطيع ان اشتريه و اصبح يغطى  وجهك كثير من المساحيق التى تخفى ملامحك التى تعودت عليها و تزيد من غربتى احس بالحواجز ترتفع بينى و بينك لدرجة انى اكاد لا اعرفك مع أن وجهك كان رفيقى و خليلى و نديمى طوال السنوات الماضية ليتك تركتينى مع صورتك القديمة لعللها تؤنسنى فى غربتى حتى تلك الصورة حرمت منها لم تعودى حلمى البسيط
تركها و خرج خارج الميدان يترجل بجوار النيل فوجىء بيد تمسك بيده نظر لها وابتسم لها و ابتسمت له لقد تخلصت من المعطف و غسلت و جهها من المساحيق اصبحت فى عينيه ست الحسن و الجمال مشى معها ينظرون الى النيل  يكادوا يلقوا انفسهم به من كثرة الشوق اليه لم يعد غيره شاهدا على قصتهم  تاركين المعطف ملقى خلفهم.



                   بقلم الكاتب المميز إبراهيم رزق 

هناك 4 تعليقات:

Unknown يقول...

أجمل جزء بالنسبة لي أستاذ إبراهيم لأنه صعب التكلمة بعد الجزء السابق لكن حضرتك كتبته بكل إبداع و مزجت بين الرومانسية و روح الثورة.
دمت مميز دائماً

ابراهيم رزق يقول...

شرين
اختى العزيزة

دائما تعطينى اكثر من حقى
الفضل للجزء السابق الرائع لانى كنت قد قررت التوقف عن الكتابة للمعطف فليلا لكى اعطى فرصة لافكار جديدة و اقلام جديدة
يا ريت ترشحى احد و انا نفسى كارمن او منى ابو السعود
وانا عارف لكى دلال عليهم ههههه
تحياتى و تقديرى

رشيد أمديون يقول...

ويستمر مسلسل معطف من قيود
أحسنت أخي إبراهيم، قصتك تغني للوطن كما العاة.
وأحسنت أختي على مجهودك.
تحياتي

ابراهيم رزق يقول...

ابو حسام الدين
اخى الفاضل

شكرا لك شهادتك اعتز بها

خالص تحياتى