الثلاثاء، 5 يوليو 2011

معطف من القيود 15

معطف من قيود

تي شيرت وجينز ...وكوتشي

كانا...هو وهي ...يسابقان الزمن...ينهلان من الفرحة...لم يكونا ينطقانها...بل كانت


تنطقها أعينهمافي كل حركة...كل نبضة في قلبيهما تنطق بالفرحة بعد طول

انتظار..كم حلما بهذه الفرحة ...كم انتظراها سنوات وسنوات ..

منذ أن تزوجا منذ أكثر من ثلاثون عاماًوهما ينتظرانها..


مع كل كلمة ماما أو باباتخرج من شفاه صغارهما..

ومع كل خطوة وئيدة يتمنيا معاًأن تكون خطوات وخطوات نحو المستقبل ..

وها هو المستقبل الذي حلما به يتشكل الآن أمام أعينهما وفي قبضة ايديهما...

لقد منّ الله عليهما فتوجت فرحتيهما بزواج البنتين..

وكالعادةينتظر الإبن الصبي دائماًحتى تتزوج أخواته البنات...


ومن نعمة ربه عليه ان أخواته البنات قد تزوجن في سن مناسبة ..

بمجرد أن اكملت كلٍ منهما تعليمها الجامعي وجاءها من ترضاه..ديناً وخلقاً

وبقى الإبن يحلم ببنت الحلال ...ويحلمان معه

حتى وضعها الله في طريقه..إنسانة.. على خلق..من عائلة كريمة..

وتزوجا ...وكانت فرحتهمابه  لاتوصف...

وبدأت الأيام تكشف عن وجهها الآخر....وبدأ تعب السنين يتسلل اليهما رويداً...رويدا

ولاحظت هي من بعيد ...كيف كان يتألم في صمت

وكان يحاول اخفاء ألمه عنها لفرط كبريائه ...فقد كان يعتقد أن المرض نوع

من الضعف..وهو ابداً...ماكان ضعيفاً.

ويبدو ان قلبه كان قد تشبع من الفرقة والوحدة وتعب السنين..


فهو-نسيت أن أقول لكم -كان دائماًعلى سفر...سنوات وسنوات ...وهو لايرى اولاده

وعائلته سوي في أشهر الصيف ..التي عادة ماتمر دون أن يحس فيهابالراحة ...والذي

جرب السفر وترك عائلته لتوفير حياة افضل لأولاده ...يعلم تماماً الضغوط التي يعانيها

خلال الأجازة...ثم في لحظات الوداع ..وما ادراكم ما لحظات الوداع...

فلما جاءت الفرحة .....لم يكن قلبه مؤهلاًلها لتمسح عنه عناء السنين...


ورحل في صمت ...

ورحلت معه كل أسباب الفرحة..

كل فرحة ينقصها شيءٌما..

واصبحت هي وحيدة ..موجوعة ..وان كانت لاتبدي...

حزنها لها... وفرحها لأولادها...

حكاياتها لصورته لا تنتهي ..

وتسأل الله دائماًان يلحقها به في الصالحين ...

ووجدت نفسهافي حاجة إلى ما يشغل فراغها ووحدتها..

فالأولاد كلٌ في بيته ...

وهي منذ زمن قدمت استقالتها ومكثت في المنزل ..

وكانت خطوتها الأولى:لتتعلم الكمبيوتر....

فهي لم تكن تجيدشيئاًعليه سوى ألعاب (السوليتير)أيام أن كان أولادها معها قبل زواجهما

والآن آن الآوان لتتعلم فنونه الأخرى...

ثم شجعتها ابنتها على الذهاب للجيم.. ولطبيب تخسيس ..هي لم تكن سمينة لهذه الدرجة

ولكن يبدو أن ابنتها كانت تريدها أن تمارس حياتها بشكل أ وسع ..لكي تخرج من دائرة

الوحدة والحزن ..خاصة وأن ابنتها تلك كانت تجهز أمورها هي وزوجها على الهجرة

للخارج..أي أنها كانت تعلم ان امها ستزيد وحدة على وحدتها..

وفي عيادة الطبيب ..كانت تظن انها وجدت ضالتها ..كان الطبيب يفتتح عيادة جديدة ويريد أن يدعمها بكل ماهو جديد في عالم الحجز وترتيب مواعيد المرضى.

وكانت فرصتها لتعرض عليه أن تمارس ما تعلمته في دراستها للكمبيوتر ..

ورحب الطبيب...

وذهبت في الموعد المحدد..تحمل في يدها اللاب توب الخاص بها..وترتدي أحدث

ما اشترته من ثياب سوداء-فهي مازالت في سنة الحداد-

ورغم أن الجو كان يميل قليلاًللحرارة...

لكنها كانت تجد أنّه من الأليق أن ترتدي معطفها الصوف الأسود....

ولكي تكتمل الأناقة ارتدت اعلى الأحذية كعباً....

وذهبتْ....

وكانت المفاجأة....

ثلاث فتيات في عمر الزهور ...

في منتهى الرشاقة ....

ترتدي كل منهن :تي شيرت وجينز .....وكوتشي....

ويجلسن أمام شاشات اللاب توب يمارسن الحجز ..

ومعهن شاب يعلمهن من حينٍ لآخر ما يخفى عليهن ....

وتمالكت نفسها قليلاًقبل أن تطلب من احداهن أن

تخبر الطبيب أن فلانة بالخارج ....تنتظر المقابلة...

ومع كل حالة تدلف داخلة أو خارجة من حجرة الكشف..

كانت تتأهب للدخول ...أوتكرر طلبها على السكرتيرة ..ومضى الوقت

وهي على هذا المنوال..

ساعة مضت أم اثنتين أم أكثر.....لم تدرِ

ولكنها في النهاية قررت أن ترحل..فهي في هذه الظروف التي

تمر بها لا تحب أن تتأخر عن العودة للمنزل...

وعادت....

وهي في حالة من اليأس .... والضيق.....

والحرّ...

تحس أنفاسها لاتخرج من صدرها...

وتنبهت إلى هذا المعطف...

نعم هذا المعطف الذي ترتديه ليس حماية من البرد...


لكنه.....لزوم الأناقة ...

وخلعت الحذاء والقته لأبعد ماتستطع يدها ..

ثم خلعت المعطف والقت به

على السرير..

لم تستطع ..أو قل لم ترد أن تعلقه على الشماعة في الدولاب..

كانت في حالة من الرفض لكل مافعلته بنفسهاهذا المساء...

هذا الزمن ليس زمانها ...وهذا الوقت ليس وقت المعطف ولا الكعب العالي..

لكنه زمن التي شيرت ..والجينز ..والكوتشي....

ورمت بنفسهابجوار المعطف....

ثم اجهشت بالبكاء على زوجها ...الذي تركها وحيدة...

واغلقت عيناها الغارقتان في الدموع ..

ثم راحت في نومٍ عميق.


00000 انتهى



بقلم الكاتبه الرائعه و الأم الجميله زيزي

هناك 7 تعليقات:

مصطفى سيف الدين يقول...

ماما زيزي
تحمل قلب ام تصوغ بكل رقة وانسيابية احاسيس انثى
تشعر من قرائتك للقصة ان امنا العزيزة زيزي لم تنسى قط انها ام فتجود بالحنان على بطلة القصة كأنها تربت على كتفيها تحتضنها بعد ان قاست وعانت
رائعة انتي امنا العزيزة
تحياتي

أمل م.أ يقول...

راقني هذا الاسلوب في السرد
الذي يجعلك تتالم وتشعر بالحنان
في نفس الوقت
ضدان اجتمعا فكانت هذه القصة
الرقيقة الموجعة
ما اصعب ان تحيا في زمن تشعر انه
ليس بزمانك
ما اصعب ان تشعر بالغربة عن وقتك
الذي تحيا فيه
وان يخطف الموت منك شريكك الذي شاركك كل الاشياء اغلب الوقت

ارق التحيات

ندا منير يقول...

مفيش سعادة كاملة ومهما حاول الانسان يعيش فى مثالية بيجى اللى يبوظ ليه حياته

لكن المهم يقدر الانسان ويعرف ازاى يتحكم فى امور حياته كلها
ومهما واجهته مواقف صعبة فى حياته يعرف ازاى يتحكم فيها ويحلها ويتاقلم عليها

خالتى بمبة يقول...

وااقعية جدا وكلنا شافها في حياته او سمع عنها من قريب لا تشعر فيها بان الكتابة من خارج الواقع وده جمالها

مونتي بوكيه ورد يقول...

جميله اوي و جميل اوي تعبيراتكم و تسلم ماما زيزي

عبدالحميد خطاب يقول...

فى غاية الروعة
ما شاء الله

Unknown يقول...

أسجّل إعجابي بالنصّ و الذائقة التي

أدرجته هنا !

شكري و تقديري ّ