لم تتصور منى التي لم تُكمل أعوامها الستة عشر أن تمتلك يوماً معطفاً كهذا تكاد تفقد عقلها من روعته تشعر و كأنها في حلم جميل تود ألا ينتهي, فتظل واضعة إياه بالقرب منها لتملأ عيناها منه طول الوقت و تتلمسه بين الحين و الآخر لتتأكد أنه ليس بسراب فكيف للبيت المعدم ذا الغرفه الواحده القائم فوق تل كبير بين العشوائيات أن يضم هذه القطعه الفاخره من الثياب, ان لم تكن مرت بأمها هذا اليوم و هي تشوي الذره لصاحبة المعطف ما كانت لحصلت عليه أبداً و كأنه هبط عليها كهدية من السماء.
أخيراً تجرأت أن تجرب إرتداءه, وقفت أمام المرآه الكبيره الموجوده بمدخل العماره الفاخره المطله على النيل حيث تجلس أمها منذ أن فتحت عيناها على الدنيا لتشوي الذره و تبيعها للماره, ظلت تحملق في نفسها غير سعيده و غير راضيه, كانت هذيله ليست ملفوفة القوام كصاحبته القديمه فظهرت و كأنها طفله ترتدي ملابس أمها شعرت لحظتها كم هي صغيره قليله ضئيله لا يسعها حتى أن تنعم بإرتداء ملابس قيمه دون أن تبدو مهلهله و مضحكه, ظرفت دموعاً بائسه و لجأت لأمها علها تجد حلاً لهذا المأزق.
مرت أيام من البكاء المُر و الشجار مع أمها التي كانت مُصره على أن ترتديه على حاله مقنعة إياها بأن مقاسه الكبير هو من أعراض الفخامه و الحشمه و لكن هيهات أن تقتنع فقد إعتادت من أمها على أن تقنعها بأشياء غير منطقيه بالنسبة لها, مثل أن أكل اللحم يصيب بأمراض القلب و الملابس الثقيله تصيب بالبرد, مثل أن النيل يجلب الخير على من يراه, مثل أنها أجمل صبيه على الأرض, مثل أن أخواتها الاتي تزوجن لا يأتين لأنهن مشغولات, و أن أباها المسجون بتهمة السرقه بريء و معذور لأنهم كانوا صغار و جوعى, لم تعد حججها مقنعه, الى أن عادت يوماً من المدرسه فوجدتها ممسكة إياه بفرحه "أخذته اليوم لمدام لولا و قامت بتضيقه لك" كادت تطير من الفرحه وأمطرت أمها قُبلاً على وجهها و يدها و رأسها معاً.
وقفت مره أخرى به أمام المرآه كان منحوتاً على جسمها و كأنه صُمم خصيصاً لها و لكن البنطال الممسوح اللون و الحذاء المدرسي المنتحر اللذان ظهرا أسفله أفسدا اللوحه الفنيه الجميله فازدادت حنقاً و كأن المعطف أبى أن يمنحها السعاده التي تتمناها و كأن صاحبته لم تكن راضيه و هي تعطيه لها , لم ترتديه و قضت ليله باكية مره أخرى ماذا عساها أن تفعل, أن تطلب من أمها مال و هي تعلم أنها بالكاد توفر لهما قوتهما اليومي و مصاريف الدراسه التي أصرت أن تكملها دوناً عن أخواتها, في الصباح أعطتها أمها جنيهان لتشتري طعام الافطار "و بماذا ينفع الطعام هل سيجعلنا أجمل أو أكثر سعاده", هكذا تمتمت لنفسها, إشترت صابونه ذات رائحه حلوه و عادت بها لأمها التي بُهتت من تصرفها و ملأت البيت صراخ و ولوله بل و لطمت وجهها عدة مرات عندما أخبرتها منى أنها تريد بنطال و حذاء جديد بدلاً من ملابسها المهترئه.
لعنت أم منى المعطف ألف مره و ما أتى عليهم به من مطالب و قيود لم تكن في الحُسبان, منى تغيرت أصبحت تهتم بنظافتها كثيراً تدعك بالحجر قدماها الجافتين و تدهنهما بكريم بشره كانت تدخره أمها لمناسبه سعيده, تستحم عندما تأتي المياه كل بضعة أيام بالصابونه الجديده, تهذب حاجبها تعتني بشعرها, و تمتنع عن الكلام الى أن تنفذ أمها رغبتها, المشهد الذي رأته أمها في منتهى الأنانيه و هي التي لا تملك سوى جلبابان متسخان و لم تفكر في نفسها و لو لدقائق منذ أمد بعيد.
منى توقفت عن الحديث مع أمها ليس فقط لتضغط عليها حتى تحصل منها على المال و انما أيضاً لأنها كانت تعيش في أحلام يقظه عباره عن حدث واحد يتكرر هو وقع ارتداء المعطف على صديقاتها بالمدرسه, نظراتهم شهقاتهم غيرتهم التي ستكون واضحه جداً و أسئلتهم التي لن تنتهي, و هي تنظر لهم بشئ من الثقه و لا تجاوب تساؤلتهم الا بابتسامه, حتى ينتهي وقت المدرسه فتخرج لتجد الفتى الأسمر الذي ينتظرها كل يوم ليختلس اليها النظر و يتبعها حتى تصل منزلها واقفاً, فيدهشه منظرها بالمعطف و يأتي فوراً للاعتراف بحبه الجارف لها...
عادت منى متأخره من المدرسه بعد أن طافت ببعض الدكاكين بحثاً عن حذاء مناسب و بنطال جيد يليق بالمعطف, حماسها شديد و اصرارها كبيرعلى أن تُعطي المعطف حقه من الأناقه, لكن الأسعار كانت صادمه فلملمت أذيال الخيبه و عادت و في نيتها بيع القرط الذهبي الذي تحتفظ به أمها لتهديه اياها عند زواجها و ما فائدته و هي بهذا المظهر الرث و لديها معطف لا تجرؤ على إرتداءه, وجدت جارتهم بالحجره بجوار أمها التي رقدت مريضه في السرير إنخلع قلبها خوفاً على أمها التي حاولت أن تطمأنها دون جدوى, "شوية برد" لم تُصدقها ,أخرجت أم منى ورقه بخمسين جنيه من فتحة الجلباب عند الصدر و أعطتها اياها قائلة بصوت متهدج و على وجهها إبتسامه حانيه "اشتري ما تريدي" .
خرجت متخبطة المشاعرما بين الذعر و السعاده مسترجعة الموديلات التي أعجبتها في السوق مُفاضلة بين أي قطعه أولى بالشراء الحذاء أم البنطال , لكن جارتهم لحقت بها بسرعه لتخبرها أن أمها ذهبت لتنظيف احدى الشقق التي كانت تلح عليها صاحبتها مراراً و هي رافضة الفكره و أنها سقطت هناك و كشفت عليها الطبيبه صاحبة الشقه و أخبرتها أنها ربما تكون مريضة بالكبد و عليها أن تقوم بتحاليل و كشوفات متعدده...
فتحت أم منى عيناها لتجد منى مُشرقه و مُرتاحه جوارها على السرير, طلبت منها منى بدلال أن تُغمض عيناها فأغمضت و فتحتهما مره أخرى على ابنتها مُمسكة بجلباب جديد لها بلون زاهي, إبتسمت رغماً عنها فإذا بمنى قد أحضرت ماكينة خياطه و قالت بفرحه "أشتريتها من مدام لولا و طلبت منها تُعلمني الخياطه...لا ذرة بعد اليوم" ردت الأم بدهشه "منين؟؟" أجابت منى ببساطه " بعت لها المعطف" ضربت أمها على صدرها, قالت منى بنفس البساطه " شدي حيلك كي نذهب للمستشفى لاجراء بعض التحاليل البسيطه" سألتها أمها بإستنكار "و ماذا عن المعطف؟؟ كنت تحبيه!!" ردت منى بإرتياح "تخلصت منه و من قيوده".
أخيراً تجرأت أن تجرب إرتداءه, وقفت أمام المرآه الكبيره الموجوده بمدخل العماره الفاخره المطله على النيل حيث تجلس أمها منذ أن فتحت عيناها على الدنيا لتشوي الذره و تبيعها للماره, ظلت تحملق في نفسها غير سعيده و غير راضيه, كانت هذيله ليست ملفوفة القوام كصاحبته القديمه فظهرت و كأنها طفله ترتدي ملابس أمها شعرت لحظتها كم هي صغيره قليله ضئيله لا يسعها حتى أن تنعم بإرتداء ملابس قيمه دون أن تبدو مهلهله و مضحكه, ظرفت دموعاً بائسه و لجأت لأمها علها تجد حلاً لهذا المأزق.
مرت أيام من البكاء المُر و الشجار مع أمها التي كانت مُصره على أن ترتديه على حاله مقنعة إياها بأن مقاسه الكبير هو من أعراض الفخامه و الحشمه و لكن هيهات أن تقتنع فقد إعتادت من أمها على أن تقنعها بأشياء غير منطقيه بالنسبة لها, مثل أن أكل اللحم يصيب بأمراض القلب و الملابس الثقيله تصيب بالبرد, مثل أن النيل يجلب الخير على من يراه, مثل أنها أجمل صبيه على الأرض, مثل أن أخواتها الاتي تزوجن لا يأتين لأنهن مشغولات, و أن أباها المسجون بتهمة السرقه بريء و معذور لأنهم كانوا صغار و جوعى, لم تعد حججها مقنعه, الى أن عادت يوماً من المدرسه فوجدتها ممسكة إياه بفرحه "أخذته اليوم لمدام لولا و قامت بتضيقه لك" كادت تطير من الفرحه وأمطرت أمها قُبلاً على وجهها و يدها و رأسها معاً.
وقفت مره أخرى به أمام المرآه كان منحوتاً على جسمها و كأنه صُمم خصيصاً لها و لكن البنطال الممسوح اللون و الحذاء المدرسي المنتحر اللذان ظهرا أسفله أفسدا اللوحه الفنيه الجميله فازدادت حنقاً و كأن المعطف أبى أن يمنحها السعاده التي تتمناها و كأن صاحبته لم تكن راضيه و هي تعطيه لها , لم ترتديه و قضت ليله باكية مره أخرى ماذا عساها أن تفعل, أن تطلب من أمها مال و هي تعلم أنها بالكاد توفر لهما قوتهما اليومي و مصاريف الدراسه التي أصرت أن تكملها دوناً عن أخواتها, في الصباح أعطتها أمها جنيهان لتشتري طعام الافطار "و بماذا ينفع الطعام هل سيجعلنا أجمل أو أكثر سعاده", هكذا تمتمت لنفسها, إشترت صابونه ذات رائحه حلوه و عادت بها لأمها التي بُهتت من تصرفها و ملأت البيت صراخ و ولوله بل و لطمت وجهها عدة مرات عندما أخبرتها منى أنها تريد بنطال و حذاء جديد بدلاً من ملابسها المهترئه.
لعنت أم منى المعطف ألف مره و ما أتى عليهم به من مطالب و قيود لم تكن في الحُسبان, منى تغيرت أصبحت تهتم بنظافتها كثيراً تدعك بالحجر قدماها الجافتين و تدهنهما بكريم بشره كانت تدخره أمها لمناسبه سعيده, تستحم عندما تأتي المياه كل بضعة أيام بالصابونه الجديده, تهذب حاجبها تعتني بشعرها, و تمتنع عن الكلام الى أن تنفذ أمها رغبتها, المشهد الذي رأته أمها في منتهى الأنانيه و هي التي لا تملك سوى جلبابان متسخان و لم تفكر في نفسها و لو لدقائق منذ أمد بعيد.
منى توقفت عن الحديث مع أمها ليس فقط لتضغط عليها حتى تحصل منها على المال و انما أيضاً لأنها كانت تعيش في أحلام يقظه عباره عن حدث واحد يتكرر هو وقع ارتداء المعطف على صديقاتها بالمدرسه, نظراتهم شهقاتهم غيرتهم التي ستكون واضحه جداً و أسئلتهم التي لن تنتهي, و هي تنظر لهم بشئ من الثقه و لا تجاوب تساؤلتهم الا بابتسامه, حتى ينتهي وقت المدرسه فتخرج لتجد الفتى الأسمر الذي ينتظرها كل يوم ليختلس اليها النظر و يتبعها حتى تصل منزلها واقفاً, فيدهشه منظرها بالمعطف و يأتي فوراً للاعتراف بحبه الجارف لها...
عادت منى متأخره من المدرسه بعد أن طافت ببعض الدكاكين بحثاً عن حذاء مناسب و بنطال جيد يليق بالمعطف, حماسها شديد و اصرارها كبيرعلى أن تُعطي المعطف حقه من الأناقه, لكن الأسعار كانت صادمه فلملمت أذيال الخيبه و عادت و في نيتها بيع القرط الذهبي الذي تحتفظ به أمها لتهديه اياها عند زواجها و ما فائدته و هي بهذا المظهر الرث و لديها معطف لا تجرؤ على إرتداءه, وجدت جارتهم بالحجره بجوار أمها التي رقدت مريضه في السرير إنخلع قلبها خوفاً على أمها التي حاولت أن تطمأنها دون جدوى, "شوية برد" لم تُصدقها ,أخرجت أم منى ورقه بخمسين جنيه من فتحة الجلباب عند الصدر و أعطتها اياها قائلة بصوت متهدج و على وجهها إبتسامه حانيه "اشتري ما تريدي" .
خرجت متخبطة المشاعرما بين الذعر و السعاده مسترجعة الموديلات التي أعجبتها في السوق مُفاضلة بين أي قطعه أولى بالشراء الحذاء أم البنطال , لكن جارتهم لحقت بها بسرعه لتخبرها أن أمها ذهبت لتنظيف احدى الشقق التي كانت تلح عليها صاحبتها مراراً و هي رافضة الفكره و أنها سقطت هناك و كشفت عليها الطبيبه صاحبة الشقه و أخبرتها أنها ربما تكون مريضة بالكبد و عليها أن تقوم بتحاليل و كشوفات متعدده...
فتحت أم منى عيناها لتجد منى مُشرقه و مُرتاحه جوارها على السرير, طلبت منها منى بدلال أن تُغمض عيناها فأغمضت و فتحتهما مره أخرى على ابنتها مُمسكة بجلباب جديد لها بلون زاهي, إبتسمت رغماً عنها فإذا بمنى قد أحضرت ماكينة خياطه و قالت بفرحه "أشتريتها من مدام لولا و طلبت منها تُعلمني الخياطه...لا ذرة بعد اليوم" ردت الأم بدهشه "منين؟؟" أجابت منى ببساطه " بعت لها المعطف" ضربت أمها على صدرها, قالت منى بنفس البساطه " شدي حيلك كي نذهب للمستشفى لاجراء بعض التحاليل البسيطه" سألتها أمها بإستنكار "و ماذا عن المعطف؟؟ كنت تحبيه!!" ردت منى بإرتياح "تخلصت منه و من قيوده".
هناك 8 تعليقات:
القصة أكثر من رائعة.. و خاصة عندما نربط الجزءين معاً..
وضعتنا في الجزء الأول مع صاحبة المعطف و الثراء الفاحش.. الذي جلب عليها كآبة و حزن.. و كيف كانت سعادتها بالتخلص - و لو لحظة - من بعض تلك القيود..
لينتقل المعطف إلى صاحبة جديدة.. و نقل بعضاً من ذلك الهم إليها..
و القصة الجديدة هنا.. بين الأم و ابنتها.. و كأن بين طياتها رسالة.. هناك دائماً من يسعى لراحتنا.. فلابد لنا من رد الجميل عندما يطلبون مساعدتنا..
دمتي مبدعة..
محمد
:)
===============
إن شاء الله هاتابع باقي الاجزاء من اول هنا.. لاني مش قريت الباقيين قبل كده
تحياتي..
محمد
:)
شهادتى مجروحة
لذا ساكتفى بالزيارة
واقول
بدون تعليق
تحياتى و تقديرى
على فكرة الام المبدعة كتبت الجزء الخامس عشر فى مدونة اسمها
امشى بين ضلوعى يا ريت تتابعيه و تقولى رايك عشان هى عايزة تعرف رايك
أهنئك أخوي على هذا الإبداع القصصي الأكثر من رائع.
موفق يالغالي.
قصة في منتهى الرقة و القسوة معا لكنها تعكس واقعا
أسلوب سلسل .. سهل ممتنع ...غني بالمعاني
رائع
محمد طاهر شكراً على ذوقك منورني دائماً و بتسعدني بتعليقك
يا رب أفضل عند حسن ظنك
تحياتي الخالصه لك
شكراً يا أستاذ ابراهيم على تشجيعك الدائم
عُلم و نُفذ:)
تحياتي و تقديري لط
شكراً يا أستاذ سعد سعيده انها أعجبتك نسيت أن أذكر أن هذا الجزء بقلمي المتواضع.
تحياتي و احترامي لك و شرفتني بمتابعتك
ليالي باريس شكراً على التعليق الرائع المشجع
تشرفت بزيارتك
تحياتي الخالصه
إرسال تعليق