الخميس، 5 مايو 2011

معطف من القيود 1

خرجت من المطعم الفاخر لتواجه نسمات الهواء البارده و ثخات متباعده من المطر و هي ملتفحه بمعطفها الأسود الثمين, حاولت مقاومة البرد بإحكام معطفعها على جسدها و رفع ياقته المثنيه لتُغطي عنقها و حواف وجهها بصوفه الانجليزي و فراءه الفرنسي, حتى وصلت للسياره الفارهه التي كانت في إنتظارها مع السائق فرمت نفسها على المقعد الخلفي و قد أنهكت من تلك الخطوات القليله ما بين المطعم الدافئ و السياره الدافئه.

مالت بوجهها في محاولة أن تسلي نفسها الملوله بمشاهدة الشوارع و الماره الذين لا يكترثوا ببرودة الجو و دموع السحاب المتزايده, لم تعد تلفت نظرها المباني الفارهه و الدكاكين التي تتسم بالطابع الأجنبي كسابق عهدها شئ داخلها تغير جعلها أكثر حرصاً على مراقبة ملامح الشوارع التي كانت لا تتوقف عندها من قبل كالباعه الجائلين أشكال الناس المختلفه و طريقتهم في السير صناديق البريد شكل الأرصفه, حتى التفاصيل الصغيره كبركة ماء متسعه أو أوراق شجر باليه جافه كحياتها.


تمر السياره بشارع مطل على كورنيش النيل, يدق قلبها بإضطراب كلما مرت بهذا الشارع ليس فقط لأنه يفضي إلى حيها القديم و لكن لأن رائحة خاصه جداً تتغلل إلى كل حواسها لتصل بسرعه إلى منطقه خامده داخلها فتعكر صفوها, كالموجات التي يحدثها الحجر عندما يُلقى بمياه راكده, رائحة حنين مختلطه بقليل من الشوق و كثير من الحزن متمثلين في كلمة واحده (حسن), تكاد تراه و هو يمشي بخطواته السريعه واضعاً يده في جيوب سترته الرماديه الأنيقه رغم أنه لم يكن يرتدي سواها في الشتاء القارص, و هي تلاحقه بخفه تليق بفتاه لم تتعدى العشرين, خطر لها أن تلتحم بالشارع مره أخرى عل نفسها المعتله تبرأ و تستعيد بعضاً من روحها السابقه.

أمرت السائق بالعوده وحيداً و نزلت للدنيا, وقفت أمام النيل مشدوهه و كأنها تراه لأول مره بلونه الأزرق الغني الذي يكتسبه عند بداية الغروب و على سطحه الذبذبات الواسعه التي تحدثها الزوارق المتعدده التي تتلألأ بإضاءتها المبهجه سارقة العيون و كأنها تطريز لامع في ثوب واسع من الحرير, لم تعرف كم من الوقت مضى و هي واقفه كالمجذوبه حتى باغتتها نسمات من السقيع اجتاحت عظامها و لم يقوى معطفها على صدها, تعجبت كيف لمعطف ثمين مثله ألا يعطي الدفئ المطلوب, لقد إشترته العام الماضي من باريس و هي تتسكع وحيده في الشنزيليزيه, بهرتها أناقته و لم يثنيها عن إقتناءه ثمنه الباهظ و لم تهتم برأي زوجها الذي أخبرها أن شتاء مصر لا يحتاج لمثل هذا المعطف, دائماً أرآه من العقل فقط و دائماً مستاء من أي تصرف أو رأي لها و يعاملها بتعالي واضح, فاتفقا ألا يجمعهما سوى الرسميات و السرير.

تحركت بين الناس في تؤده تمعن النظر للعشاق المتناثرين على الكورنيش تبحث بين عيونهم عن بريق آخاذ مثل الذي كان يعلو نظرات حسن و لكنها لم ترى هذا البريق آخر مره جمعهما الكورنيش, نظرته وقتها كانت فارغه في لقاء لم يتعدى الدقائق (تزوجي فأنا لن أتزوجك) لم تعرف إن كان ضحى بها أم ضحى لأجلها و لا تعرف إن كانت تشتاق له أم لأيام الصبا عندما كانت روحها كطائر مغرد في الفضاء الواسع و أنوثتها عفيه و فرحتها فطريه, ما تعرفه و يبات أكيد أنها لم تعد هي بعد هذا اليوم.

تشعر و كأنها مكبله بقيود من حديد تمشي بخطوات بطيئه متعثره, لمحت شاب يخطف قبله من فتاته, لم يمس حسن شفتاها كان يحترم براءتها و لكنها لسبب تجهله الآن إشتهت هذه القبله و رأتها بريئه, على غير عادتها و هي التي تمقت مشاهد الغرام في الشوارع.
إستوقفتها رائحة ذره مشويه إنها تعرف صاحبة الصحن المتفحم الكبير الذي يتوهج فيه الفحم لإكساب الذره لونها الذهبي, إنها أم منى التي لطالما إشترت منها الذره و وقفت تتناولها بالجوار لتستمد الدفئ من صحنها المتوهج, أدهشها كثيراً أن المرأه تذكرتها و صافحتها بحفاوه كبيره, جلست جوارها على حجر كبير في انتظار الشواء فظهرت شابه صغيره مرتديه طبقات عديده من الملابس الصيفيه لتمتص البرد, ذكّرتها بنفسها قبل أن تملك ما تستطيع أن تشتري به معطف يقيها في الشتاء, عرفت أنها منى التي كانت تلهو بقشر الذره المتناثره قبل أعوام عديده.

سرحت قليلاً في ماضيها البائس في مظهره الغني في باطنه بمشاعر الحب و الرضا و العشق للحياه, و حاضرها المبهر في مظهره الخالي في باطنه من أي من أسباب السعاده, أخذت الذره و همت بأن ترحل و لكنها توقفت للحظه خلعت عنها المعطف الثقيل و أعطته لمنى قائلة من بين إبتسامتها (إنه لك).

إنطلقت في الشارع و كأنها وليدة اللحظه تستنشق لأول مره ملئ صدرها, قلبها ينبض نبضات جديده, تشعر و كأنها حطمت قيود كثيره كانت تكبلها و تمنع حركتها ها هي الآن حره و كأنها لم تذق الحريه من قبل و دافئه بل و تشع حراره بالرغم من ملابسها الخفيفه, الأمطار المتزائده شجعتها على الركض بمرح تخطى كل الحدود العُمريه و النفسيه و الاجتماعيه, إنها حقاً سعيده كعصفور بري خرج تواً من قفصه الذهبي , خطواتها تأخذها لحيها الفقير دون أن تشعر!



                                              بقلمي شيرين سامي

هناك 5 تعليقات:

ابراهيم رزق يقول...

اختى الفاضلة شرين

لن اقول سوى الف مبروك و عقبال ما نحتفل بالجزء المائة كتجربة فريدة

تحياتى وتقديرى

MTMA89 يقول...

دائماً ما تقيدنا الحياة بطرق مختلفة..
و كم نعاني من تلك القيود..
و نتمنى أن ننطلق بكل حرية، في حياة بسيطة و نحب أن نحياها..

مبروك المدونة.. أنا بصراحة نسختك كومنتي اللي قبل كده :)


تحياتي..

محمد
:)

مصطفى سيف الدين يقول...

الف مليون مبروك
واشكرك شكر خاص جدا
واتمنى ان ارى المعطف في اجزاء عديدة قادمة

FAW يقول...

يا ألف نهار مبروك :)

عالمدونة وعلي نشر القصة . .

بصراحة أحلي جزء فيهم هو الأول , والثاني والتاسع :)

بالتوفيق دايما . . في القصص وفي الشعر اللي ما بقيناش نشوفه :)

تحياتي . .

Emtiaz Zourob يقول...

اختي شيرين ..

الف مبارك المدونة الجديدة ونشر القصة أيضا ، انا سعيدة من أجلك ، كما اني طالبت عدة مرات بتجميع اجزاء معطف من قيود في مكان واحد والافضل لو تم نشرها في كتاب .. فهي تجربة فريدة ومميزة .

بالنسبة للقصة ، اتمنى ان يتسع صدرك لتعليقي ..
اولا يبدو أن القصة باللغة العربية الفصيحة ولكني لاحظت أخطاء لا اعرف هل هي مطبعية أم سقطت سهوا .. عموما سوف احاول ان الفت انتباهك لها وهي على سبيل المثال ..
كلمة ثخات المطر " زخات المطر "
كلمة معطفعها " معطفها "
الباعة الجائلين " الباعة المتجولون أو الجوالة "
تتغلل " تتغلغل "
طبعا انت حرة فيما كتبت ، ولكني أحببت التذكير فقط ..
بالتوفيق دوما وفي انتظار المزيد والمزيد .