الجمعة، 20 مايو 2011

أحلام هانم 7


كانت أحلام تتفقد انحاء الميدان كانت تشعر ان كل اولئك الناس هي مسئولة عنهم وعن حياتهم كانت تشعر باهمية دورها كانت تدور في ارجاء الميدان ترى ما يحتاجه الناس وتحاول ان تطمئنهم
كانت تسير على اطراف الميدان تحاول التاكد من الامن فمرت في الشوارع المحيطة  وبينما هي تنظر حولها رأته في جانب الطريق معطف ثمين  ايقظ احلامها القديمة تذكرت كيف كان يبهرها مشاهد الهوانم في المسلسلات كم تمنت ان تصبح احدى هؤلاء الهوانم ترتدي ملابس غالية تقتني سيارة فارهة وتلبس حليا ثمينة كم تمنت رؤية جنيف وباريس وتلك المدن التي لا تسمع عنها الا في حصص الجغرافيا اوالافلام 
ولكنها كانت متوسطة الحال فوالدها موظف بسيط يوفر للاسرة القوت اليومي لكنه ليس غنيا
كانت كل يوم تنظر للمرآة تبحث عن مواطن جمال في وجهها  وتمني نفسها ان هذا اليوم قد تشاهد جمالا صارخا في محياها لكنها للاسف لا ترى ذلك التقدم نعم انها مقبولة الجمال فكل النساء جميلات ولكنها جميلة ذلك الجمال الهادىء النمطي لذلك فالامل بالنسبة لها ان تصبح هانما يكاد يكون منعدما فحياتها منطقية نمطية نعم ستتزوج نعم سيكون لديها اسرة لكنها لن تصبح هانما فليس هناك رجل اعمال يتزوج من امراة عادية ولا توجد هناك نجمة مشهورة متوسطة الجمال
لذلك سخطت على تلك الطبقة لضياع املها في الشهرة الى ان وجدت ضالتها حين كانت تشاهد احدى نشرات الاخبار رأت ناشطا حقوقيا فتمنت ان تكون مثله لتحول سخطها على الطبقات الغنية الى محاولة لنصرة المظلوم على الظالم قد لا يكون هدفها في البداية نبيلا
ولكنها بعد فترة من ذلك العمل وذلك النشاط الحقوقي حين رأت اقسام الشرطة وما يحدث فيها حين شاهدت الفساد المستشري  بعينيها بدأ قلبها يشعر بالم الناس وصراخهم بدأت تشعر بانينهم وصراخهم بدأت تشعر ان هناك هدفا اسمى من ان تصبح مجرد  هانم
لذلك كانت من اول الداعين الى تلك المظاهرات 
والآن بعد كل تلك الاعوام الصعبة تراه في جانب الطريق ترى معطفا لا يرتديه الا الهوانم فاستيقظ الحلم القديم بداخلها وانفجر بركان الطموح الدافىء في ليلة باردة وجدت نفسها بدون تردد ترتدي المعطف
آآآآآآه ما أحلاه من شعور  وما اجمله من دفء يعم  جوانحها تلك اليلة الشتوية الباردة تحولت الي ليلة ربيعية
موسيقى الدانوب الازرق لشتراوس في اذنيها تكاد ترقص فرحا تلك الموسيقى التي كانت حكرا على الهوانم في المسلسلات كأنها ترى دار الاوبرا امامها وكأن الهوانم وحدهم من يعرفون قيمة الاوبرا  قلبها اخيرا شعر بالبهجة الحلم القديم يتراءى في الآفاق
سارت بخيلاء الهوانم بين الحشود كان تريد ان تصعد الى المنصة ليرى الجميع معطفها الثمين ويرى الجميع الهانم التي اصبحت عليها انظروا اليَ انا هانم انظروا لمعطفي الثمين ابتسامتها تشرق وجهها وفرحتها تنير جبهتها كم هو جميل حين يتحقق احد الاحلام الصبا
عيونها الضاحكة تكاد تسخر من احوال اليائسين حولها فهي تعيش حياة الهوانم المتغطرسة
بزهو وتعالٍ تقدمت نحو المنصة دون ان تشعر فعقلها وقلبها تعلقا بحلم  ملك كل احاسيسها ولكنها استيقظت على صوت الهواء يمر سريعا بجوار اذنيها محدثا جلبة مخيفة ثم صوت تأوه وارتطام بالارض تلتفت  لترى احد الشباب يسقط صريعا خلفها بعد ان اصابت رصاصة جبهته
افاقت من حلمها على دماء الشهيد
و بالرغم من انها ليلة شتوية و بالرغم من برودة الجو الا انها تتصبب عرقا تشعر بالاختناق
 
ماذا حدث؟ 
تقف مذهولة  لا تفهم ما يجري  فقط اختناق وشوك والم وعرق وشلل كم تود ان تجلس لكي تعيد فهم ما يحدث كم تريد مكانا هادئا ولكن ميدان التحرير يعج بالثوار
قادتها أقدامها دون شعور للخروج من الميدان  حتى وجدت شارعا خاليا من الناس  جلست تحدث نفسها عن الشهيد كيف مات وماذا كانت تفعل  ألم تكن تشعر بالمسئولية عن كل هؤلاء؟
ثم ماذا كان الوضع ان اخترقت تلك الرصاصة راسها هي؟ كانت ستحمل القابا عدة وشهرة كبيرة وكم كانت تحب الالقاب كانوا سيقولون الشهيدة البطلة الثائرة الناشطة محررة مصر أحلام  أليس هذا ما تحبينه وانتي امام نفسك مجرد فاشلة أعماها الحلم التافه عن الواقع المجيد اعماها السراب عن النهر الذي يجري تحت قدميها
دموع ونحيب واختناق وعرق يتصبب
العرق والدموع طعمهما مالح في ملوحة بحر لجي مظلم لسانها لا يتحمل الطعم وقلبها يقطر أسى على روح  رحلت عن الحياة بسببها
الاختناق يزداد والصدر ينقبض لا تستطيع ان تتنفس أخيرا انتبهت لما يجثم على صدرها
انه ذلك المعطف اللعين خلعته وألقته على جانب الطريق
ثم شرعت في العودة الى التحرير عازمة ألا تساوم على دم الشهيد حتى ولو بمعطف ثمين
عازمة على تحقيق حلمها الجديد وهو ان تسقط جاثية على ركبتيها تحت اقدام ام الشهيد طالبة منها ان تتقبلها ابنة لها حينها فقط ستشعر انها هانم.
 
 
 
بقلم الكاتب المميز مصطفى سيف

هناك 5 تعليقات:

Unknown يقول...

مصطفى, مبدع الى أبعد الحدود... شخصية الناشطه السياسيه شخصيه لم يسلط عليها الضوء كثيراً و انت نجحت انك تعبر عن جزء مهم جداً منها و هو شعورها بالرُقي بعد ارتداء المعطف و احساسها بالدونيه قبله فكره جميله و نهاية موفقه أحيك عليها بشده لأنك جمعت الاحساس بالأنا مع الشعور بالواجب.
تحياتي الخالصه لك يا زميلي العزيز أثريت القصه بالطبع أشكرك جداً

ابراهيم رزق يقول...

مصطفى سيف
اخى المبدع

اعتقد ان شهادتى مجروحة لكن ساشهد بها مرة اخرى و لكن فى تعليق مبسط
اخذتنا مع المعطف الى منطقة جديدة و قد شاهدت عشرات احلام فى ميدان التحرير

خالص تحياتى

مصطفى سيف الدين يقول...

شيرين
اشكرك اختي العزيزة
لولاكي لما كانت هذه المدونة ولما كنا نكتب عن قصص ذلك المعطف
تحياتي

مصطفى سيف الدين يقول...

ابراهيم رزق
اشكرك اخي العزيز
لم احظى مثلك بشرف التواجد في الميدان لكنني كنت اشعر بكل تلك اللحظات
وكتبت عن احساسي بذلك
تحياتي لك

ندا منير يقول...

مثلت جزء من فكر ناس كتير كان ومازال للاسف موجود لحد انهاردة

لحد انهاردة فى ناس مبتفكرش غير فى الموضة و احدث اغنية نزلت وهتفسح فين بكرة وهاكل ايه على العشا واقوم اقعد عل فيس بوك ادردش مع اصحابى فى تفاهات

والفئة دى مش حاسة باى حاجة ولا باى خطر احنا مرينا وبنمر بيه وهنمر بيه

بالرغم من اى اصعب مرحلة عدت على خير لكننا داخلين على مرحلة اصعب برمراحل لكن بدره الفئة دى هتفضل زى ما هى