أنا جميله ج م ي ل ة
هكذا قالت لنفسها عدة مرات و هي تتمعن في ملامحها الغليظه في مرآة الحمام, وقفت على الميزان فوجدت وزنها كما هو في نطاق البدانة, زفرت بغضب و ركلت الميزان فكسرته, في غرفتها جلست تفكر في يومها, اليوم ستقابله, ترى ماذا يريد منها, هل يريد مساعدتها كعادة معظم من تعرفهم, هل يريد مشورتها, رأيها, هل يريدها أن تكون رسول غرام كما كانت دائماً منذ أيام الجامعه...أم هل...لكن لا لا لا يمكن ان يحبها, هي حتى لا تجرؤ على تصور هذا, كيف و هي بهذا الجسم الممتلئ الذي طالما أثار مضايقات الناس لها.نظرت بأسى لصورتها و هي صغيره, منفوخة الوجه, مكتنزة الجسم, تكاد تسمع أصوات التلاميذ الصغار في المدرسه و هم ينادونها ( أُمنا الغولة ) و طرقعات ضحاكتهم الحاده تملأ المدرسة و تهزها من الداخل بشدة, كانت تضحك وقتها و تحاول إخافتهم بصورة كوميدية, تنكش شعرها, تسن أسنانها, تجري وراءهم في غضب مصطنع, و هم غارقون في ضحكهم, و هي تضحك معهم ساخرة من نفسها.
عندما كبرت قليلاً أصبح إسم (اُمنا الغولة ) هو رُعبها, تحاول جاهدة أن تتحاشاه, بالمعامله الطيبة الجدعه تاره, و بالعنف و اللسان السليط تارة أخرى, فأصبحت أجدع بنت في أي مجتمع تدخله, تبدي إهتمامها دائماً, تقدم مساعدات غير مشروطه, تُحاسب من مالها الخاص دون إكتراث, تُهادي بدون داعي, و من ناحية أخرى كانت شرسة جداً مع من يحاول مجرد أن يجرحها لو بنظرة, فكانت تدافع عن نفسها ممن لا يروقها بأن تستفز الناس ضده, أو تُشيع أخطاءة أو تُبلّغ عنه إن أمكن, و أحياناً تضطر للمواجهه فيصبح صوتها أقسى من السوط و إنفعالتها أشد من الكوارث الطبيعيه.
لم تشعر يوماً بأنها أنثى للحب, هي إنسانه, صديقه , زميله, إبنة, كل الألقاب إلا حبيبه, و في المقابل لم تجرب أن تحب إلا مرات قليله, فحالة التحفز التي كانت تسيطر عليها مع الناس حالت بينها و بين الحب, الرجل الذي أحبته يوماً و كانت تشتري له أغراضه و تعزمه بإستمرار على الطعام, و تكلمة أكثر من عشر مرات في اليوم, تزوج غيرها, اليوم هي تشعر بشعور مختلف, تتمنى لو كانت جميله, خطرت ببالها فكرة, فنهضت تبحث بين شرائط الكاسيت القديمه, وضعت الشريط في المسجل فإنطلق عبد الحليم حافظ يغني كآلة موسيقيه ناعمه صوتها إحساس...بحلم بيك...أنا بحلم بيك...
هامت مع الأغنية و ذابت مع الألحان, فوجدت نفسها تُقلّد مشهداً طالما رأته و لم تتجرأ أن تكون جزءاً منه في يوم من الأيام, بدأت تميل بجسمها و ترقص بإنسيابية لم تكن تعرف أنها تمتلكها, يتساقط شعرها على وجهها فتطوح به بعيداً بحركة من رأسها, و عندما غنى عبد الحليم " ياللي محدش قالك عالشوق اللي أنا فيه...بُكرة الشوق يوصلك و تجرب لياليه...و إن مسألتش فيه يبقى كفاية علية" وجدت نفسها تبكي رغماً عنها.
في المساء فتحت خزانة ملابسها لتستعد لأهم خطوة قبل مقابلته, ظلت على حالها ساعة كاملة تفكر في أي نوع من الملابس يمكنه أن يداري جسدها الممتلئ, حتى وقع بصرها على المعطف, إنه المعطف الذي هادهم إياه صديق والدها الدمشقي الطيب, الذي قرر أن يضع قطعة من متعلقات إبنه الشهيد في كل بلد عربي, علهم يتفقوا يوماً على الثأر لدمه هو و كل شهداء الذل العربي.
إرتدته, شعرت أنه لملم معالمها و وضع حدوداً لخريطة جسدها الشاسعه, إنتظرته في المكان النيلي الهادئ الذي طلب مقابلتها فيه, كانت تقف بغير ثقة تخفي يداها في المعطف, واضعة الذواق لأول مره حتى يداري غلاظة أنفها و شفتاها و إمتقاع لونها, أتاها و جلسا يتبادلا أطراف حديث هامشي عن العمل, و هي تترقب في غير صبر السبب الحقيقي وراء مقابلتهما, حتى سألها بهدوء:
-لماذا تضعين الذواق؟
ردت متفاجئه : لأننا بالليل و الليل له طقوس...
-بالنهار أو الليل...انت ملاك.
كادت تنهض و تنصرف أو ترد بأي شكل غير طبيعي كعادتها, لكنها غرقت في صمت خجل و هي تفكر بجسمها..أي ملاك له هذا الجسم!
إستطرد هو : عندما تتكلمين أشعر و كأنني أنا الذي أتكلم...لنا نفس الفكر.
صمتت
-أصبحت أفكر فيكي طوال اليوم...ماذا فعلت حتى جعلتيني لا أرى إمرأة سواك؟
صمتت
-أنا معجب بك...جداً.
-لماذا؟
-لأنك أنت بكل ما فيكي.
-أنا لست جميله.
-أنت جميله... أجمل من رأيت.
كادت تقول (كاذب) كما تعود لسانها أن ينهش في البشر, لكنها تمالكت نفسها و ذهبت للحمام, هناك نظرت لنفسها في المرآه, وجدت نفسها مليحة الوجه , براقة العينان, عذبة الخصر, حتى بشرتها أصبحت أكثر نعومه و نضاره, ماذا حل بها, أي مرض أصابها جعلها إنسانة أخرى لا تمت بصلة ل (أُمنا الغولة), مسحت الذواق و خلعت عن نفسها المعطف, أعطته لشابة صغيره كانت تبكي في الحمام و ربتت على ذراعها بحنو.
رآها فتقدم بإتجاهها و في عينيه لهفه, سألها عن المعطف , رفعت كتفاها في عدم إكتراث و قالت :
-و ما حاجتي به ؟ كنت أختبئ وراءة...سئمت الإختباء...أريد أن أظهر على طبيعتي...أريد أن يراني الكون.
رد عليها بكلمة واحدة :...بحبك...
***********
بقلمي شيرين سامي
هناك 10 تعليقات:
اولا اشكرك على اهتمامك بالمعطف فالفضل لكى غيما وصل اليه
اسجل اعجابى مرة اخرى بالقصة
تحياتى و تقديرى
جميلة ياشيرين ورائعة
قصة واقعية جدا و كثيرا مايعانى منها بنات العرب هههه فهم يكثرون من المحشى بعض الشىء هههههه
معانى تبعث الامل فى القلوب وتغرس الثقة بالنفس
استمتعت بقصتك جدا جدا
تحياتى لك ولمعطفكم الحائر بينكم :)
دمت بكل خير
أجمل حاجة عجبتني يا شيرين إن المعطف كان دمشقي .. ههههه
يعني بيني وبينه فيه وحدة حال ..
جميلة جداً القصة ..
"كن كما أنت لا كما يريدك الناس أن تكون .. ترى نفسك أجمل الناس .."
بدأت قراءة القصة من ملل أصابني في العمل .. لكنني بعد أن بدأت بها لم أملك إلا أن أسعد بها ..
دمت بخير ..
غاليتي شيرين
اسعد اله اوقاتك بكل الحب
قصة اكثر من رائعة
وسرد اكثر من جميل
ومفردات وتشابيه اكثر من مبهرة
اكثر ما لفتني تشبيهين في هذه الجملة
" و أحياناً تضطر للمواجهه فيصبح صوتها أقسى من السوط و إنفعالتها أشد من الكوارث الطبيعيه."
ثم هذا التحول في شخصية امنا الغولة
وكيف بقوة الحب وما اعظمها من قوة
ازدادت ثقة بالنفس ... وكيف ايقظ هذا الحب فيها تلك الانثى ....فيبدوا انها نسيت لفترة انها انثى.
كوني بخير غاليتي
كلنا نختبئ في بعض الأحيان
عن أشياء كثيرة داخلنا ..
عن شعور .. عن إحساس ..
عن نظرة .. عن صوت ..
لكن الأجمل ,
هي اللحظة التي نتحرر فيها من
قيود الإختباء ..
=)
جميل ما خططتي , أسعدني المرور ..
تحياتي ..
أستاذ إبراهيم أنا اللي بشكرك على متابعتك و إهتمامك جداً و المعطف الفضل الأول و الأخير فيه للجميع و لحضرتك فضل كبير :)
تحياتي الخالصه لك
لولو كات أم هريره: و حشتيني أوييييي قبل كل شئ :)
مبسوطه جداً إنها عجبتك و إنك رجعتي تنورينا تاني.
و أنا إستمتعت بزيارتك حبيبتي
أرق تحية لكي
ظلاللي بيضاء: أولاً أنا بعشق سوريا و الشام و لي أصول دمشقيه :)
ثانياً كان مهم إني أبدأ من حيث ما إنتهيت خصوصاً إنك سبتنا في مزنق صعب بس إحنا قدها :)
أشكرك و تعليقك زادني شرف
تحياتي الخالصه لك
أمل م.أ: أشكرك جداً كم أسعدني تعليقك الرائعه الذي ينم عن قرآه عميقه و تذوق جميل.
الحب يستطيع أن يفعل المعجزات..صدقيني :)
أسعدتيني و نورتيني جداً
لكمني كل الحب و التقدير
pen seldom : أجمل لحظات الحياه هي لحظات التحرر من كل القيود...و ما أندرها.
سعدت و جداً بزيارتك و تعليقك المميز
تحياتي الخالصه لكي
إرسال تعليق