الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

معطف من القيود (قصة واقعيه)27

شهر آذار لعام 2003 كان عاماً شهده الناس جميعاً بترقب .. ينتظرون بقلوبٍ متأهبة ليعرفوا نهاية هذه الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية على العراق .. فمن أناسٍ حانقون لشن هذه الحرب يعتبرونها حرباً على الإسلام وبلادهم .. وآخرون يرون أن فيها قضاءً على حكم ديكتاتوري لطالما استمر أعواماً طويلة .. وأناسٌ يرون أن هذه الحرب لم يكن لها إلا هدف واحد هو السيطرة على النفط العراقي ..

ولكن مما لا شك فيه هو أن جميع هؤلاء كان يترقب الساعات الطويلة كل يوم خلف شاشات التلفاز يستمعون إلى الأخبار وينظرون ما يعرض على هذه الشاشات من مظاهر ووقائع هذه الحرب .. وما يعرض عنها من تحليل سياسي وعسكري وغير ذلك ..

ثم بتاريخ 7 إبريل سقطت بغداد بيد الدولتين المعتديتين .. وبعد ذلك عرف كل الناس أبعاد هذه الحرب خلال السنوات التي مرت منذ ذلك التاريخ وحتى هذه اللحظات حيث لم يتحقق أيٌ من الأهداف المعلنة لهذه الحرب .. بل انتقلت البلاد إلى حالةٍ من الفوضى والقتل والإرهاب والفقر والسرقة والنهب والمؤامرات السياسية والاقتصادية .

ولكن ما لا يعلمه معظم هؤلاء قصة عبد الرزاق وإخوانه الذين خرجوا إلى العراق بهدف الجهاد في سبيل الله تعالى ودفع المعتدين عن بلاد العرب والإسلام ..

كان عبد الرزاق شيخاً خطيباً وإماماً في قرية من قرى ريف دمشق .. وكان في الفترة التي سبقت إعلان الحرب يحث الناس على الجهاد في سبيل الله تعالى خاصةً إذا حصل اعتداء على بلاد الإسلام ..

كان يبلغ من العمر اثنان وثلاثون عاماً متزوج لمرتين وله من زوجته الأولى ابن وابنة .. ولكن أمهما مطلقة .. وله من زوجته الثانية ابنةٌ آيةٌ في الروعة والجمال .. ولم تكن قد أتمت السنة من عمرها ..

عندما أعلنت الحرب وبدأت بالهجمات الجوية كان الشيخ متحفزاً للخروج في سبيل الله تعالى .. وبالفعل عقد العزم على الخروج عندما علم أن سلطات بلاده تسير باصاتٍ عبر البر إلى العراق للمجاهدين العرب ..

فما كان منه إلا أن فاتح أخاه محمد وزوجته بنيته في الجهاد .. حاولت زوجته أن تثنيه عن عزمه ولكنها عجزت .. وحتى أخوه حاول جاهداً أن يثنيه عن هذا العزم ولكنه كان في نفسه يحاول أن يتبين صدق نية الشيخ لإعلاء كلمة لا إله إلا الله ..

ولما تأكدت له صدق نية أخيه بالجهاد صارحه بما كان يكتمه :

محمد : بصراحةٍ يا أخي رغم أنني كنت أقول لك ألا تخرج للجهاد لأجل زوجتك وأولادك .. ولكنني كنت أحاول الوقوف على صدق نيتك .. لأن القتال قد يكون فيه الموت .. فلا ينبغي لك أن تموت على نية جاهلية ..

ولكنني بعد أن تأكدت صدق عزيمتك .. وثبات نيتك .. فأنا أقولها لك إذهب على بركة الله ووالله لن يضيع الله أبناءك أبداً ..

عبد الرزاق : شكراً لك يا أخي وأنا على نيتي إن شاء الله ..

وأمضت زوجته الليلة تبكي وترجوه ليعود عن نيته لكنه أبى ذلك ..

وفي صباح اليوم التالي خرج عبد الرزاق من بيته في زيارةٍ لأقربائه وأصدقائه يودعهم ويستسمحهم ويخبرهم بعزيمته للجهاد ..

وكان آخر من أراد أن يراه قبل أن يخرج إلى العراق هو والده ..

وبالفعل قبيل المغيب قرع جرس منزل والده وفتح الأب الباب مرحباً بابنه الذي طالما أحبه واعتز برجولته ومواقفه الطيبة ..

كانت زيارةً قصيرةً لم تدم أكثر من نصف ساعةٍ أو يزيد .. وقبل أن يغادر منزل والده التفت إليه مبتسماً وقال :

سأذهب إلى العراق للجهاد في سبيل الله ..

الوالد : اقعد في بيتك وانتبه على أولادك وزوجتك وكفاك جنوناً .. العراق لا ينقصها الرجال ..

تبسم عبد الرزاق وقبل يده والده ثم غادر ..

وكان على موعدٍ في اليوم التالي مع أخيه محمد ليوصله بسيارته إلى مكان تجمع الباصات ..

أخذ محمد معه ابنته ذات السنوات الخمس وابنه ذو السنوات الأربع لأن زوجته كانت تريد الذهاب إلى الطبيب لأنها كانت حاملاً في شهرها الثاني ..

ذهب الأخوان ومعهما الولدان إلى مكان التجمع .. وما إن وصلا حتى وجدا قافلة الباصات تهم بالمغادرة فتعانقا وقبلا بعضهما وجلس محمد في سيارته ينظر إلى أخيه عبر نافذة الباص .. واهتاج قلبه وأراد أن يلحق بأخيه .. ولكن ماذا يفعل بهذان الولدان .. فكر في أن يتركهما مع أحد من المودعين الذين كانوا يودعون أبناءهم أو أقرباءهم .. ويدله على عنوان بيته ويهبه سيارته ويلحق بأخيه ..

ولكنه خشي أن لا يؤدي ذلك الرجل الأمانة ولا يصل الولدان إلى أمهما فيحترق قلب الأم على أولادها فضلاً عن زوجها ..

وانطلقت الباصات حتى غابت عن نظر محمد فعاد أدراجه إلى منزل خالته التي هي أخت زوجة أبيه حيث لقي هناك مصادفةً زوجته ووالده وزوجة والده وأهل البيت ..

كان وجه الوالد محمراً من شدة الغضب .. وما إن دخل محمد المنزل حتى انفجر الأب غاضباً وألقى اللوم على محمد لأنه لم يخبره أن أخاه كان جاداً في ذهابه إلى العراق ..

ومضت الأيام والأب يترقب أخبار ابنه بقلب مجروح حزين ..

وبعد أسابيع قليلةً جاء اتصال هاتفي إلى منزل محمد الذي لم يكن ساعتئذ في منزله .. فردت زوجته ..

لم تكن المكالمة الهاتفية طويلةً :

المتحدث : السلام عليكم هل هذا منزل الشيخ محمد أخو الشيخ عبد الرزاق ؟؟

الزوجة : وعليكم السلام أجل ..

المتحدث : هل الشيخ محمد موجود ؟

الزوجة : لا إنه في العمل ..

المتحدث : يؤسفني أن أخبرك أختي أن الشيخ عبد الرزاق مصابٌ في مشفىً في الكويت وحالته خطرة ..

الزوجة : ولكن ما اسمك وما هو رقم هاتفك ؟ وكيف عرفت هذا الخبر ؟؟

المتحدث : لا أستطيع أن أخبرك باسمي لأنني كنتُ أسيراً لدى العدو وقد استطعت الهرب من المشفى .. وسأتصل بكم فيما بعد ..

وأغلق سماعة الهاتف تحت دهشة الزوجة وصدمتها ..

لم تستطع الزوجة إلا أن تسارع للاتصال بزوجها لتخبره الحدث ..

حضر محمد إلى منزله واتفق مع زوجته على كتمان الخبر لئلا يتسبب لأبيه بالحزن والمرض ...

ومضت أيامٌ كانت قاسيةً جداً على كل من محمد وزوجته لما في صدرهما من سرٍ مؤلمٍ وعلى الأخص عندما يذهبا في زيارة الأب ..

ثم جاءت مكالمةٌ أخرى للرجل نفسه :

المتحدث : السلام عليكم أختي الكريمة لا أستطيع إطالة الحديث ولكنني استطعت التسلل إلى المشفى الذي كان فيه الشيخ عبد الرزاق فلم أجده هناك ..

ولما سألتُ عنه أخبرني أحد المرضى في الغرفة أنه قد استشهد .. وأغلق الهاتف ..

كانت الصدمةُ أقوى .. والخبر أشد إزعاجاً ..

حضر محمد إلى البيت وأخذ زوجته وولديه على عجل وخرج إلى منزل الأب ..

لم يكد الأب أن يرى ابنه الذي لم يعتد على زيارته في هذه الساعة من النهار حتى قال له :

الأب : ماوراءك ؟؟ هل مات أخوك ؟؟

محمد : إنه في المشفى ..

الأب : لا تكذب علي .. هل مات أخوك ؟؟

محمد : أجل لقد استشهد يا والدي ..

انفجر الاثنان بالبكاء .. بكاء أبٍ حرم من ابنه الذي طالما افتخر به ..

وبكاء أخ لطالما تمنى لو أنه ذهب إلى العراق مع أخيه لينالا شرف الشهادة معاً ..

ومضت أعوامٌ ثمانيةٌ ولا يزال الأب يذكر ابنه ويبكي .. ولكن بكاءً بلا صوتٍ أو دموع .. وكلما رأى أولاد ابنه بكى ..

أنِفَ الدنيا ومتاعها .. وعكف على الحزن والألم ..

ولا يزال يحتفظ بمعطف ابنه الذي نسيه عنده عندما أتى ليودعه قبل أن يذهب إلى العراق .. ويمسك به في غفلة من عيون الناس ليشم رائحة ابنه .. بنفسٍ مليئةٍ بالكبرياء .. ولكنه كبرياءٌ منكسر منذ أن فقد ابنه .. وربما نام في كل يومٍ على أغنية سيدة الغناء أم كلثوم :

أراك عصي الدمع شيْمتك الصبرُ .... أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمرُ

بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعــــــــةٌ .... ولكن مثلي لا يذاع لــــــه سرُ

إذا الليل أضواني بسطتُ يد الهوى .. وأذللتُ دمعاً من خلائقه الكِبرُ


قصةٌ من الواقع بتصرفٍ بسيط

وعلى هامشها أضيف الكلمات التي كنت كتبتها في مدونتي سابقاً وتجدونها بعنوان : "فداك يا عراق .."


إهداء إلى أهلنا في العراق ..

وإلى أخي الذي خرج من دمشق واستشهد في أرض الرافدين على أبواب بغداد في خنادق القتال مع المجاهدين الأحرار ..


أوغادٌ في أرضٍ كَسَرت وحدتَها .. فرّقت كلمتَها .. نبذَتْ كل الأديان ..

يَصُولون .. يجَوُلون .. يُفسِدون كل جميلٍ .. يُحرِقون زهرَ الأقحوان ..

يلطّخون كلَّ طهارةٍ .. ويقتلون المصلحين .. ويدّعون أنهم إخوان ..

جاؤوا من خلف البحار والمحيطات والخِلجان ..

يريدون فسادَ بلاد العُرب والإسلام..

هذي العراق يا أختاه تئن تحت وطأة الحرب والآلام ..

هل مِن مسعفٍ .. هل من طبيبٍ أو إنسان ..

يقول للأوغاد .. أنتم عارٌ على هذا الزمان ..

جعلتُمُ الأوطان غير آمنةٍ وتدّعون نشْرَكُمُ الأمان ..

لكِ الله يا عراقُ متى يولدُ حَجّاجُ هذا الزمان ..

فيطرُدُ الأوغادَ من أرضٍ هي موطئُ العلمِ والفقهِ والقرآن ..

إليكِ يا عراقُ قدمتُ أخي شهيداً على أرضِكِ أبتغي رحمةَ الديّان

من دمشقَ إلى بغداد إلى الرياض والقاهرة وعمّان ..

كلنا إخوةٌ في الله والإسلام والإيمان ..

فداكِ يا عراقُ أمي وأبي وروحي ودمي .. فداك أخي .. أطهرُ إنسان ..



بقلم المدون الرائع ظلالي البيضاء صاحب مدونة ظلالي البيضاء

هناك تعليقان (2):

الجوكر يقول...

عندما صدق الله فى نيّته

رزقهُ الله الشهادة

ليعانق الحور فى اعلى الجنان

..

اللهم نسألك بصفاتك العلى واسمائك الحسنى

أن تطهّر قلوب المجاهدين

وتُخلص نيّاتهم .. وتثبت أقدامهم

وانصرهم على اعدائك

ونسألك الشهادة لنفوز بجنتك

التى عرضها كعرض السماوات والأرض

آمين


...

لله در هذا الحرف


رائع ماقرأت هنا


تقديرى العميق

غير معرف يقول...

ثقافة الهزيمة .. مغامرات البقرة الضاحكة

ما قصة لوسي أرتين؟
ـ لوسي أرتين كانت علي علاقة بالرئيس مبارك والعلاقة بدأت عن طريق زكريا عزمي وجمال عبدالعزيز، و كان فيه رجل أعمال مشهور بيحب يعرف مبارك علي فتيات من دول شرق أوروبا وحسين سالم كان متولي دول غرب أوروبا.

هل قصر الرئاسة كان يدار بهذه الطريقة؟
- القصر كان يدار بالسفالة والأسافين والنقار والقمار والنسوان وقلة الأدب ودا كل اللي كان شغلهم ومصلحة البلد بعدين.

هي سوزان كانت بتحس بالغلط اللي كان بيعمله الرئيس؟
- هي كانت مقهورة من اللي بتشوفه والنسوان داخلة طالعة قدامها واللي جايين من أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية ومش قادرة تتكلم وبتبكي علي طول بسبب اللي بتشوفه وأحيانا كنت بأصبرها وأقولها مصر مافيهاش غير سيدة أولي واحدة، بس بعدها قرر الرئيس أن ينقل جلساته الخاصة في شرم الشيخ وبرج العرب.

ھل تزوج علیھا؟
-لا ھو مش محتاج یتجوز .. البركة في زكریا عزمي وجمال عبدالعزیز...

…باقى المقال ضمن مجموعة مقالات الهزيمة ( بقلم غريب المنسى ) بالرابط التالى

www.ouregypt.us